خارطة المنطقة المزدحمة بالأحداث وحركة الدولة الأردنية بين هذه الأزمات تجعل البعض يشعر بالحيرة وأحياناً ما هو أكثر في فهم المواقف الأردنية، مما يجعل من المهم أن يستمع الناس إلى حديث يقدم التنسيق بين مجمل المواقف.
قبل أسابيع كان الأردن يرسل وزير الخارجية إلى طهران وفي نفس الفترة ظهرت أقاويل تشير إلى زيارة سرية قام بها المسؤول العسكري الإيراني المهم السليماني إلى عمان، وقبل هذا كان الموقف الأردني الأكثر وضوحاً وصدقاً في تقديم الدعم للعراق الذي ترتبط حكومته بعلاقات أكثر من خاصة مع طهران، وهو دعم تجاوز الدعم السياسي إلى العسكري، وأيضاً أستقبل الأردن قبل أيام عمار الحكيم أحد أهم القيادات العراقية الشيعية الدينية الذي يملك قوة عسكرية وتأثيراً سياسياً.
وصباح الخميس الماضي أستيقظ الناس على أخبار الحملة العسكرية الجوية التي تقودها السعودية وتشارك فيها دول خليجية وعربية ومنها الأردن ضد الحوثيين في اليمن، وهم الذين يمثلون مخلباً إيرانياً فارسياً ويعملون للسيطرة على الحكم في اليمن بكل ما يعنيه هذا من آثار وتداعيات على أمن الخليج.
وربما علينا أن نتذكر أن المرحلة تحمل مجموعة من الأزمات حولنا وحول من نرتبط بهم بعلاقات خاصة تفرض أحياناً مواقف قد تبدو للبعض متناقضة لكنها ضمن شبكة من المحددات، وإذا كانت هذه المحددات حاضرة فإنها تجعل فهم خارطة المواقف الأردنية أمرا سهلا ولعل أهم هذه المحددات :
١- أن تزاحم الأزمات حولنا وبشكل متواز ومتراكم دون حلول واضحة لبعضها أو بغياب حلول كاملة لبعض آخر يجعل الأردن يتحرك وفق بوصلة مصالحه الوطنية العليا وأهمها استقرار الدولة والحفاظ على أمنها السياسي والاجتماعي.
وفي الإطار الأوسع فإن المصالح الأردنية الداخلية والخارجية تتمثل في خارطة أهم معالمها استقرار الدولة الأردنية، محاربة تنظيمات الاٍرهاب والتطرف، العمل على تخفيف أو حل الأزمات العربية سواء في سوريا والعراق أو مصر أو ليبيا...، كذلك المحافظة على الإتزان في المعادلات العربية مثل العراق بحيث لا تكون هناك مجموعة سكانية أو مذهبية تعاني من تهميش أو استهداف أو محاولة اجتثاث تحت أي مبرر، إضافة إلى السعي لبناء حالة عربية معتدلة في مواجهة مشاريع الأصدقاء والأشقاء التي تريد تحويل الساحات العربية إلى ساحات نفوذ لها.
٢- ورغم صعوبة الحالة العربية فإن الأردن يعمل بصدق لدعم أي حالة عربية معتدلة قد تتحول في بعض الملفات إلى مشروع عربي في مواجهة مشاريع العجم وبعض أتباعهم من أمتنا، وهذا الأمر نجده واضحاً في التعامل مع الملف المصري والليبي والعراقي واليوم مع الأزمة اليمنية.
ومع أن الأردن لا يعيش تحت أي وهم أو خيال إلا أنه يعمل وفق قاعدة ما هو ممكن في تصليب الحالة العربية المعتدلة، لأن هذا هو الممكن كما أنه يخدم المصالح الوطنية الأردنية العليا.
٣- هنالك مجموعة من العلاقات التاريخية للأردن لا يمكنه تجاوزها أو التعامل معها كورقة بعيداً عن مكانتها الإستراتيجية وأهمها العلاقة مع دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وحتى لو تباينت الاجتهادات حول أي ملف فإن الخيار الوحيد الحفاظ على المستوى الرفيع لهذه العلاقات، ولهذا لم يتردد الأردن في مساندة البحرين في مواجهة أي تدخل في شؤونه الداخلية، وهو اليوم يقف بقوة سياسياً وعسكرياً مع أمن الخليج واستقراره في وجه التهديد الذي يمثله سيطرة الحوثيين ومن خلفهم إيران على مقاليد الحكم في اليمن، وهذا الموقف غايته الحفاظ على المعادلة اليمنية دون أي تدخل خارجي يجعل من اليمن مخلباً إيرانياً في أمن الخليج وفي مقدمته السعودية.
وهناك علاقة أخرى حافظ عليها الأردن بقوة وهي مع الولايات المتحدة، فأمريكا اللاعب الأهم في قضايا المنطقة ولا يمكن إدارة الظهر لها كما أن هناك العلاقات الثنائية المتطورة، مع محاولة استثمار هذه العلاقة لمصلحة تسريع إيجاد حل عادل للملف الفلسطيني مع الإدراك أن معادلة هذا الملف فيها الطرف الصهيوني بصلفه وسياساته العدوانية.
أين هو الأردن، وكيف يتحرك في هذه المعادلات المتناقضة أحياناً والمتسارعة... سؤال إجابته ليست مثالية ولا يمكن لدولة أن تبني مساراتها السياسية بشكل نموذجي حتى في المراحل العادية فكيف ونحن في مراحل قلق ودم وتطرف وتفكيك، لكن المهم أن تبقى الأهداف الكبرى حاضرة ومتحققة وأولها الدولة الأردنية واستقرارها ثم العمل ما أمكن لحل مشكلات الأشقاء إضافةً إلى السعي لبناء حالة عربية معقولة في مقابل مشاريع نفوذ الآخرين على حساب الجغرافيا العربية. الرأي