هذه نبوءة ادونيسية، عمرها عدة عقود والوقت بين الرماد والورد طال بالفعل لكن موعده أزف، إذ ينطفئ كل شيء ليبدأ كل شيء.
ومن لوّحوا للعرب مودّعين بمناديل تقطر منها الشماتة لا الدّمع، اساؤوا فهم القيامة القومية، عندما يختلط ولو للحظة نابل الهدم بحابل البناء ويعقب الاثنين بابل الخليقة وقد يزأر الحجر في ظلال تلك الاطلال، فتكون الكتابة على الطين هي مبتدأ جملة الحضارة والكتابة بالدم هي خبرها.
ذات يوم قرأ أدونيس شعرا في عمان فهبّ عليه من لا يحبون الشعر ولا الحياة ويصابون بالكآبة اذا أزهر الليمون او الزيتون، واوشك الضيف على البكاء وحين صعدت اليه وعانقته على المنبر قال بصوت متهدّج وبلهجة شامية يقطر منها ما تبقى من بردى الشجي:
عجبك .. ها هي الشرطة تحرس الشاعر من الجمهور ...
ومضت الايام والاعوام وكنا ننتظر بشغف واحيانا بنفاد صبر هذا الوقت بين الرماد والورد وبين الفاعل ونائبه وبين المبني للمعلوم والمبني للمجهول، فهبّت رائحة من ليمونة جريحة، وأغدق الشجر من زهره البنفسجي ما يكفي لأن يتذكر الزيتون من زرعه فيكون الزيت دمعا، وتلك نبوءة شاعر آخر خذله حصانه الوحيد عندما استدرجه الى ذلك المنحدر بين البروة في شعاب الجليل وبين رام الله وعلى مشارف الخليل.
هذا الوقت ليس جملة معترضة في كتاب مطرز من الالف الى الياء بالابجدية، حيث الكينونة هي استجابة لفعل امر من حرفين فقط، هو كُن كما ان الحب -ايضا- من حرفين احدهما يبدأ من قاع القلب والآخر يغلق الشّفتين !
قد يقول القارىء الذي اصابته الفضائيات بالغثيان وأقلع عن العادة العلنية لمشاهدة سلحفاة تحاول الطيران وصقر تنبت على جسده صدفة بعد تساقط ريش الجناحين، هل تبقى من اللغة ما يكفي للاعتذار عن كل هذا القبح وهذا الصمت الأسود الذي لا يرشح منه غير الكراهية.
لست مضطرا للاجابة لكن القارئ الحصيف الملقّح ضد الاصابة بانفلونزا الافاعي القادمة في الطريق هو حليف الكاتب الملدوغ من الجُحر ذاته الف مرة ليس لنقص في ايمانه بل لاصراره على تطهير الجحر وتحويله الى عش.
اشمّ عن بعد رغم كل هذا الزكام الوبائي رائحة الورد القادم ليقول للرماد والرمل معا: كفاكما احتلالا واستيطانا لهذه الارض، فيوم لكما والايام كلها لمن حاولتما حجبه ومنعه من القدوم..
في كل قيامة قومية يختلط الأمر على العين الكليلة المغطاة بالقذى فلا تدري ما اذا كان حصان امرىء القيس يكرّ ام يفرّ، كما انها تخطىء الفارق الحاسم بين الغسق والشّفق! الدستور