لا يعكس هدوء البحر الاحمر - الذي انعقدت على شواطئه، في مدينة شرم الشيخ المصرية، القمة العربية السادسة والعشرون - الاجواء الساخنة التي انعقدت القمة في ظل تحدياتها، فالاوضاع العربية من سوء الى أسوأ، ومن تمزيق الى تفتيت الى اقتتال، الى دماء أغرقت الارض العربية، وصراعات لا تفهم معظمها، الى تحالفات ومحاور، وصراعات مذهبية وطائفية وعرقية، وهذا اسوأ ما حدث في العالم العربي خلال السنوات الاخيرة، ولا يقارن مع ذلك السوء إلّا بسوء أكبر منه تمثل في ظهور عصابات الارهاب والاجرام أحفاد القاعدة في داعش والنصرة ومن يشبههم.
كل شيء في القمة العربية يدمي القلب، لكن؛ أن تختفي دولة من وزن سورية، في ظهرها حضارة تتجاوز آلاف السنين، وعمق تاريخي لا ينافسها فيه احد، فهذا دمار ما بعده دمار.
في اللحظة التي سمح فيها القائمون على اجتماعات القمة لمصوري الفضائيات والتلفزيونات العربية بالدخول لدقائق لالتقاط صور الاجتماعات، انتبه اكثر المصورين ذكاء الى مقعد خال فهجموا لالتقاط صور علم الدولة السورية التي تغيب تمثيلا وحضورا ومشاركة في اعمال القمة بعد قرار تجميد عضويتها.
في قمة شرم الشيخ تم اغلاق ملف التمثيل السوري، مثلما وقع في القمة السابقة في الكويت التي سمح فيها لمندوب المعارضة بالقاء كلمة والخروج بعد ذلك، على عكس ما وقع في قمة الدوحة التي اصرت على ان تمثل المعارضة السورية الدولة السورية.
مشهد المقعد السوري خاليا، يفتح الآفاق للنظر للازمة السورية التي تجاوز عمرها أكثر من أربع سنوات، ليكتشف المرء ان ليست طلقات البنادق أو قذائف المدافع والطائرات أو انفجارات القنابل أسبابا وحيدة في قتل الشعب السوري الذي ثار بعد احداث درعا لنيل كرامته المسلوبة منذ خمسة عقود، بل هناك عوامل أخرى تشارك في قتل الناس، ويكاد يكون أظهرها وأوضحها الموقف الروسي، وبالمماثلة الموقف الصيني، وكذلك بالتبعية المواقف الهندية والبرازيلية والجنوب أفريقية، والصمت العربي المريب، وتشتت المعارضة السورية، واختلافها على كل شيء.
على الارض السورية يتصارع العالم كل حسب ملفاته ومصالحه، وتخاض على ارضه وعلى حساب شعبه وحضارته ودمائه ومهجري معارك ليست لسورية مصلحة فيها، لهذا تبقى بيضة القبّان التي يقع على كاهلها واجب إنقاذ ما يمكن انقاذه في سورية، ألا وهي اتفاق قادة المعارضة السورية وانسجامهم في قناة لتخليص الشعب السوري من المحنة التي وُضِع فيها، مهما كانت الأثمان. فما قدمه الشعب من تضحيات في الداخل خلال الفترة الماضية يفوق ما قدمته قيادات المعارضة منذ أن نبتت في أفواه كبار أبنائها الأسنان، ولا يحق لأحد مهما علا شأنه أن يركب موجة الثورة ويدعي الإخلاص لها وهو خارج سورية منذ سنوات، ثم يجلس في مؤتمر هنا أو هناك ليفصّل على مقاسه هو لا على مقاس أكفان الشهداء الذين سقوا أرض الشام دمًا قبل أن يأتي أيلول على جبل الشيخ. العرب اليوم