الشعور العربي العارم لدى الشعوب العربية والأنظمة والحكومات والأحزاب والقوى السياسية على امتداد الساحة العربية بحالة التيه والضياع والتفرق التي انتجتها حالة الاقتتال الداخلي المريع، والصراع السياسي البائس الذي أدى إلى مزيد من الضعف ومزيد من التفكك، وجريان الأنهار من الدم العربي، وانعدام الاستقرار والأمن في معظم الأقطار العربية، أدى إلى الإحساس بالرعب والخطر الذي يداهمنا جميعاً، إذ يجب أن يتم الشروع والبدء بخطوات عملية تعبر عن الاستجابة الجمعية الفطرية و الفورية لهذا الخطر الماحق.
الخطر الأول الذي يهددنا هو الخطر الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني العنصري البغيض؛ الذي كان سبباً في كل المصائب التي تنهال على رؤوسنا، فهو الذي أشعل بذور التطرف والعنف في شرائح الشباب في كل ساحات العالم العربي والإسلامي، لأن الاحتلال العدواني لأرض فلسطين وانتهاك مقدسات المسلمين فيها، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة؛ ظل يمثل جرحاً دامياً في الخاصرة العربية، وطعنة سامة في الكرامة العربية، لم تستطع كل محاولات التدليس والتضليل العالمي أن تحجب شمس الحقيقة الساطعة التي لن تغيب .
الخطر الثاني هو الخطر الايراني المتلفع بالرداء المذهبي الديني، والذي استطاع الاستثمار في الحالة العربية الممزقة والكبرياء العربية المجروحة نتيجة الاحتلال الصهيوني، حيث كانت الأصابع الايرانية دائما تثير الانقسام في المجتمعات العربية و في كل قطر تصل إليه، فقد فعلت ذلك في العراق وفي سوريا ولبنان، وفي اليمن، وتحاول زعزعة المجتمعات العربية الأخرى في البحرين والخليج، وفي السودان والشمال الافريقي، عن طريق إثارة النزاعات المذهبية وبناء المليشيات المسلحة ؛التي تستخدم القوة والعنف في تحقيق أغراضها السياسية.
الخطر الثالث يتمثل بالمنظمات المتطرفة التي تسلك طريق العنف والإرهاب والقتل، وتسهم في تمزيق الأمة وتدمير مقدراتها، وزرع بذور الضعف والانقسام والتناحر بين مكونات شعوبها، وتبديد طاقات الشباب المسلم المتحمس في محرقة الانتحار الذاتي، وقد أساءت هذه الحركات إلى الإسلام إساءة بالغة، وعملت على تغييب الوعي ونشر الجهل بطريقة مريعة.
الخطر الرابع يتمثل بالتدخل الدولي الاستعماري الذي يهدف إلى اضعاف المنطقة، ونشر الفوضى وتحطيم قدرات الشعوب العربية والحيلولة دون وحدتها، وشل قدرتها على إدارة مصالحها الذاتية، وعجزها عن بناء مواردها البشرية واستثمار مقدراتها الهائلة، من أجل الابقاء على مصالحها في المنطقة، والاستيلاء على نفطها وخيراتها.
أمام هذه الحالة المرعبة يتوجب على العرب وقف حالة الصراع الداخلي، وخاصة بين الشعوب والأنظمة، وينبغي تأجيل جميع أنواع الخلاف السياسي بين مكونات الأمة الداخلية، وتشكيل حالة طوارىء فورية، ينبثق منها موقف دفاعي شجاع؛ تتحمل مسؤوليته الأنظمة الحاكمة أولاً، والشروع في تشكيل قوة عربية مشتركة، تديرها لجنة مشكلة من قادة الجيوش العربية القائمة، والقيام بمواجهة التدخلات العبثية المتصلة بكل القوى الخارجية، من أجل وقف النزيف أولاً، والقيام بحالة إسعاف أولي فوري لا يحتمل التأجيل، تمنع سقوط الأقطار العربية قطراً قطراً في براثن الأخطار الداهمة من الشرق والغرب على حد سواء.
القوة العربية المشتركة يجب أن تستند إلى موقف سياسي عربي موحد بالحدود الدنيا، يرفض كل التدخلات الخارجية بكل أشكالها، وقادر على استخدام القوة بالوقت المناسب والمكان المناسب، وهذا ما يجب بحثه في القمة العربية القريبة القادمة، ويجب التخلي عن سياسة التبعيّة والتحالفات مع الأطراف الإقليمية بكل اشكالها مهما كانت قوتها.
القوة العربية المشتركة لا تحمل أهدافاً عدوانية تجاه أي طرف، وإنما تحمل فلسفة الدفاع عن النفس،ومواجهة التهديدات لأي أرض عربية، ووقف حالة التدخل الفظ والوقح في شؤون العرب الداخلية من أي طرف عدواني، ويمكن للأردن أن يقود هذه الفكرة بحكم موقعه أولاً، وقيادته لمؤتمر وزراء الخارجية العرب ثانياً، بالاضافة إلى ما يتمتع به من قوة واستقرار نسبي يؤهله للعب دور توحيدي استراتيجي عربي، في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الأمة. الدستور