جرش .. اغتيال في عز الشباب
حازم مبيضين
22-04-2008 03:00 AM
على الرغم من اعتقادي بامتلاك وعي متكامل وفهم لأبعاد الأمور وإدراك لواقع البلد الثقافي، إلا أنه يبدو أنني بحاجة إلى المزيد من الوعي والكثير من الإدراك وفائض من حسن النية لأتمكن من فهم مغزى قرار إلغاء مهرجان جرش للثقافة والفنون واستبداله بآخر لم تتبين ملامحه بعد ويحمل اسم مهرجان الاردن.
ومع أننا عهدنا مهرجانات بأسماء مدن، فما نعرفه أن المهرجانات تحمل أسماء المدن التي تقام فيها لأسباب منطقية كأن تكون المدينة تاريخية أو ذات سمات معينة يسعى المهرجان لإبرازها, أو تكون حاضنة لقيم محددة مطلوب تجذيرها, أو على الأقل يكون المهرجان دعوة لإحياء تلك المدينة اقتصاديا أو سياحيا أو ترويج منتج تختص به, كأن نقول مهرجان الزيتون في عجلون, أو مهرجان العنب في السلط, أو مهرجان المرجان في العقبة وما شاكل ذلك إلا أننا قررنا أن يكون مهرجاننا باسم الدولة، فهنيئا لنا وللدولة بقرار يلغي خمسة وعشرين عاما من تاريخ الأردن الثقافي والفني ويبدأ من الصفر، فنحن ... على ما يبدو ... نحب بدء صفحات جديدة في كل شيء، وفي أية لحظة تجلي!!.
ومع أننا نعرف ما حل بالمهرجان من إشكاليات إدارية أظهرته هزيلا بالمقارنة مع مهرجانات عربية وعالمية لا تملك نصف طاقته وحضوره وفعاليته إن هو أدير بالشكل المناسب، إلا أن أحدا منا لم يحمل فكرة المهرجان المسؤولية (ولو لمرة واحدة)، لأننا شهدنا نجاحاته، وفخرنا بما أنجزناه، ورأينا شعور الرضى والفوز لمن أتيحت لهم المشاركة بفعالياته.
ولو احتسبنا التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي أشادت بنجاحه، واعتبرته من معالم الحياة الثقافية لبلدنا, وجاذبا سياحيا وفنيا لمئات الالوف من أبناء الدول المجاورة, والاردنيين المغتربين (الذين كانوا يوقتون مواعيد إجازاتهم مع موعده لينعموا بالسمر في أحضان جرش التاريخ)، لادركنا بقليل من الحكمة والمنطق، أن المطلوب هو تطوير المهرجان إداريا لإعادة الحياة إلى عروقه التي تيبست بفعل البيروقراطية والفوقية للادارات التي أفشلته وحولته إلى جثة لاتجد من يدفنها, وصولا إلى القرار الاخير بدفنها غير مأسوف على شبابها, وهي لم تتجاوز بعد الخامسة والعشرين, ولست أرى سببا كي لا تكون اللجنة المشكلة لمهرجان الاردن مكلفة باحياء جرش صاحب السمعة الطيبة عربيا, والتاريخ غير القابل للنسيان بدل رعاية مولود خداج يحتاج الى (فت خبز) ليكون علماً كما جرش.
إلا أن الواضح أن أصحاب القرار في إلغاء المهرجان ليسوا معنيين بذاكرة الوطن الثقافية والفنية، وسيكون جميلا لو تراجعوا عنه، فالوطن الذي أحيى (سوق عكاظ) لن يسكت على دفن جرش، وأنا أولهم!.