الابداع هو العملية التي من خلالها يتم خلق شيء جديد.
الابداع كلمة ضخمة في مبناها ومعناها، وليس من اليسير الوصول الى هذه المرتبة لأنها حصيلة تزاوج بين عدد من المداخل التي يجب ان تسبقها , فهي اولا تعني وجود المعرفة والثقافة , لأنه لا ابداع في اوساط يتفشى فيها الجهل والامية, وهي تعني ثانيا الانتاجية ضمن استراتيجية مبنية على تخطيط علمي سليم , اذ لا يمكن ان يتحقق الابداع في أوساط تتخبط فيها الفوضى وتسود فيها الارتجالية , ولا يعتبر خروجا على القاعدة مشاهدتنا لبعض المخترعين من غير المتعلمين الذين حققوا انجازات هائلة على أكثر من صعيد من امثال العالم الامريكي توماس اديسون الذي عوض عن نقص المعرفة لديه بذكائه وعبقريته وجلده العظيم وارادته التي لا تقهر .
العملية الابداعية حظيت بقدر كبير من اهتمام العديد من المجالات الاكاديمية.
أما اقتصاديات الابداع فانها مدرسة اقتصادية فكرية , تعيد صياغة النظرية الاقتصادية التقليدية بشكل يضع المعرفة والتكنولوجيا والعمل الحر والابداع في مركز العملية الاقتصادية ,بدلا من كونها قوى مستقلة لا تتأثر الى حد كبير بالسياسات الاقتصادية .
ترتكز اقتصاديات الابداع على مبدأين أساسيين:
ألاول: هو ان الهدف المركزي للسياسات الاقتصادية يجب ان يكون زيادة وتحفيز الانتاجية من خلال تشجيع العملية الابداعية.
الثاني : هو ان الاقتصاديات التي تعتمد فقط على مصادر ومعطيات اقتصادية اخرى , لن تتمكن دائما من تحقيق نفس القدر من الفعالية في تحفيز الانتاجية.
بمعنى ان الابداع جزء أساسي , بل أحد أحجار الزاوية في زيادة الانتاجية وتحقيق الرخاء الاقتصادي .
ان المؤشر العالمي للابداع يظهر علاقة قوية بين متوسط الدخل وبين قوة العملية الابداعية داخل الدولة .
تحتل المراكز الثلاثين الاولى على مؤشر الابداع لعام 2013دول توصف بانها مرتفعة الدخل, حيث ارتفاع العملية الابداعية هو الذي يؤدي الى ارتفاع الدخل.
تحتل حاليا سويسرا المرتبة الاولى في المؤشر العالمي للابداع ,تليها السويد ثم بريطانيا وعلى المستوى العربي تحتل دولة الامارات العربية المتحدة الاولى في قائمة الابداع وتليها المملكة العربية السعودية .
يعتمد المؤشر العالمي للابداع على عدة عوامل , لقياس مدى توفر البيئة الابداعية داخل الدول ,منها رأس المال البشري , والابحاث ,والبنية التحتية، ونضج أسواق المال , وتمرس مجال الاعمال ,ومخرجات المعرفة والتكنولوجيا ,وحجم منتجات الابتكار .
هذا كله ايضا يعتمد على كيفية ادارة الابداع .
لقد صدرت وثيقة عام 2006عن دائرة الثقافة والاعلام في الحكومة البريطانية عددت 12 قطاعا اقتصاديا ضمن اقتصاد الابداع وهي كما يلي:
الدعاية والاعلانات,الهندسة المعمارية ’الفنون ,تجارة الاثريات , الصناعات اليدوية , التصميم ,تصميم الملابس والموضة ,صناعة السينما والفيديو والتصوير ,تصميم برامج الكومبيوتر وألعاب الفيديو, النشر الالكتروني ,الموسيقى وفنون الاداء ,صناعة النشر والتلفزيون والراديو .
يضاف اليها القطاعات الابداعية غير الثقافية مثل الهندسة والعقاقير والادوية والهندسة الحيوية .
تساهم قطاعات صناعة الابداع في الناتج الاقتصادي بعشرات ومئات المليارات وحتى تريليونات من الدولارات .
ان الابداع الفردي او الجماعي لا يعني بأي حال الانسلاخ عن ماضي الامة وحاضرها بحجة ان الابداع يتطلب استقراء المستقبل بصورة تستدعي نبذ القديم ووضعه طي النسيان ,اذ ان الماضي والحاضر والمستقبل حلقات محكمة الاتصال ببعضها ,وكما يقولون في الامثال ( من لا قديم له لا جديد له ) و (زرعوا فأكلنا ونغرس فيأكلون )
مثالا على ذلك , أبدع الشعب الياباني وسلب لب العالم وهو يرى المعجزة اليابانية تتحقق بعد فترة قصيرة من اندحار اليابان في الحرب العالمية الثانية, فصممت اليابان على قهر اعداء الامس وحلفاء اليوم , بالابداع في الصناعة والتجارة والعلم والتكنولوجيا ,وبهذا الابداع اكتسحت البضائع والتكنولوجيا اليابانية أسواق العالم وأسواق الولايات المتحدة في عقر دارها ,وتبوأت اليابان المركز الصناعي الاول في نهاية القرن الماضي ,اذ لا يخلو بيت او مصنع او بناء في اي مدينة في العالم من المنتجات اليابانية المشهود لها بالجودة الفائقة والتقنية العالية والاسعار المعقولة.
كانت اليابان وهي تغذ السير بخطى ثابتة نحو المجد تستلهم في مسيرتها روح الشرق العظيم بما يعنيه ذلك من الحفاظ على العادات والتقاليد والاعتزاز بروح الانتماء الوطني الحضاري والقومي ,وما زال الاله بوذا وفتاة الجيشا وابن الشمس (امبراطور اليابان ) والكاميكاز ( الهجوم الانتحاري فداء للوطن ), والكيمونو الياباني , وغيرهم الكثير يمثلون قمة المعتقدات والعادات اليابانية رغم ما بلغته اليابان من شأن عظيم في مضمار التقدم والازدهار .
اننا مدعوون كعرب ذوي ارث عظيم في الحضارة والتراث الانسانيين ان ننهج نهج اليابانيين في الابداع مع المحافظة في الوقت نفسه على روح الاصالة العربية , والقيم الاسلامية الخالدة , والتراث المجيد والعادات الحميدة التي ورثناها عن اجدادنا العظام ,فاتحي بلاد الهند والسند والاندلس, ممن بنوا قصور بغداد ,وقصر الحمراء في الاندلس , والجامع الاموي في دمشق وانشأوا اكبرجامعة اسلامية في العالم هي جامعة الازهر.
وغيرها الكثير مما تركوا لنا,حتى نلحق بركب العالم المتفدم وخاصة المبدعين منهم.
dr.sami.alrashid@gmail.com