بقدر ما سهّلت علينا الهواتف "الذكية" التواصل مع الناس بقدر ما جمّدت فينا الملامح وأضاعت منّا لهفة اللقاء.
بكبسة زر أسأل عنك وأعتذر منك، بكبسة زر أرسل لك المعلومات وأجيب على أسئلتك وأطرح عليك المزيد. أشاركك كلّ شيء وأنا أمضغ الطّعام، وأرسل انفعالاتي كاملة بالرسومات والصور والكلمات، وأنا مستلقٍ أمام شاشة التلفزيون. أضحك وأحزن وأتفاجأ، وأنا على الاشارة الضوئية. أجد نفسي ضمن ناس كثيرين في مجموعات جديدة في الواتساب، وأنا أطبخ. أرسل كلّ شيء وأتلقى كلّ شيء.. إلا دفء اللقاء.
أضحكني موقف حصل مؤخّراً ، إذ تراسلني سيّدة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتبادلني المشاركات من خلال الواتس اب، لكنّي التقيتها صدفة في متجر فتشاغلت بانتقاء الثياب؟.. ذلك أن التواصل الالكتروني استفاض في بناء حواجز اسمنتية ووفّر على الناس بذل طاقتهم في التعامل المباشر وعوّدهم أن الحديث من وراء حجاب أسهل وأريح وأكثر قدرة على النفاق.
وبالرغم من أنّ أصدقاء كثر أتاحت لنا التكنولوجيا التعرف إليهم والتقرب منهم وصاروا مكسباً حقيقيّاً لنا، لكن التواصل الالكتروني الزّاحف عزّز العزلة الاجتماعية للكثيرين،حين صار العالم الافتراضي أكثر سهولة وأمانا في التعاطي مع النّاس.
غير ذلك، فإنني أعتقد بشدّة أن التكنولوجيا والمبالغة في اقحامها بحياتنا صارت سبباً لجفاء المشاعر وقسوة الملامح، وكأننا في ابتعادنا عن التفاعل المباشر مع النّاس نسينا رقيق المشاعر في دواخلنا، واكتفينا بصورة أو كلمات مطبوعة لترفع عنّا عبء التواصل الحميم..
نحتاج لهواتفنا الذكية كالماء والهواء، وأدمنّا هذه الأدوات حتى صارت حبل النجاة الاجتماعي الذي التفّ علينا فخنقنا. فمنذ أمسكنا بطرفه أغلقنا على أنفسنا بابنا وأرسلنا الكلام المعلّب والمشاعر «التيك أوي»، ثمّ تعذّرنا، ببعدنا، أننا في زمن لا يجد فيه الفرد متسعاً حتى لقضاء مصالحه الشخصية. وكأنّه بات لا يعنينا السعي إلى المشاركة الإنسانية بقدر ما تضمن لنا هواتفنا وأجهزتنا أن تبقينا ضمن إطار المجتمع وكأننا نقول فقط:"نحن هنا". الرأي