أعترف بأن جلسة افتتاح أعمال مؤتمر «دور كليات الأعمال في الجامعات الأردنية في عملية التطوير الإداري» قد أبهرتني بما أثارته من ذكريات ليست بعيدة حين كانت الإدارة الأردنية مضرب مثل على مستوى العالم العربي كله ، فقد امتلأ مسرح جامعة الشرق الأوسط التي نظمت المؤتمر بالتعاون مع جمعية القيادات الإدارية الأردنية بنخبة ممتازة ممن شغلوا مناصب عليا في القطاعين العام والخاص ، في ذلك الزمن الذي كانت فيه المؤسسات تبتدع أساليبها الخاصة لتقوم بواجباتها على الوجه الأكمل ، محافظة على هيبتها ووقارها وحسن أدائها.
وكنت متحدثا رئيسيا كلفته اللجنة المنظمة بتقديم ورقة عمل حول «حوكمة الجامعات والمؤشرات الدالة على مدى تطبيقها» فأخذتني الحيرة بين نموذج مضى ، أثبت بالتجربة المشهودة أنه الأفضل في حينه ، ونموذج نسعى إليه تحت عنوان الحوكمة أو الحاكمية ، فوجدت أن ما نسعى إليه هو شأن كنا نمارسه تحت عناوين أخرى ، فإذا ما التقت خبرة الماضي مع حاجة الحاضر والمستقبل ، أمكننا تثبيت قاعدة قوية للنهوض بمؤسساتنا ، لأنها هي الأصل، أما المتغير فهو الإدارة ، ولا أقصد علوها أو هبوطها وإنما تغير مفاهيمها وشروطها ومقوماتها !
وقد سبق هذا المؤتمر ببضعة أيام المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية في دورته الثامنة والأربعين التي تنعقد حاليا في بيروت بضيافة جامعة « القديس يوسف « حيث يناقش رؤساء ما يزيد عن 300 جامعة عربية ، بين موضوعات أخرى تبحث في كيفية النهوض بالتعليم العالي والبحث العلمي العربي ، مسودة « دليل حاكمية الجامعات العربية « وهو مشروع تقدمت به شخصيا إلى الدورة السابعة والأربعين التي عقدت في عمان في مثل هذا الوقت من العام الماضي ، ونظمته جامعة الشرق الأوسط بالتعاون مع الأمانة العامة للاتحاد التي تتخذ من عاصمة بلدنا مقرا لها.
أسند ذلك المؤتمر لي مهمة إعداد الدليل ، فعملت مع فريق من الخبراء على إعداده تمهيدا لإقراره في الدورة الحالية ، متضمنا آليات الارتقاء بالجامعات العربية من خلال تطبيقها للحاكمية ، بهدف الحد من الظواهر السلبية التي تتنامى وتيرتها في التعليم الجامعي ، مثل تفشى ظاهرة العنف الطلابي ، وتدني نوعية الخريجين ، وضعف مستوى البحث العلمي الذي قاد إلى هبوط التصنيف العالمي للجامعات العربية ، وكذلك الهجرة المتزايدة للكوادر الأكاديمية المتميزة.
وفي كلمتي أمام مؤتمر بيروت أوضحت أهمية الارتقاء بمؤسساتنا الجامعية ، وتأكيد دورها في عملية التنمية الشاملة ، من خلال مخرجات راقية للتعليم العالي والبحث العلمي الذي يجب أن يصب في المصالح العليا لدولنا ، وحل أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والتصدي للتحديات الإقليمية والدولية ، فالجامعات هي منارات العلم والمعرفة ، وفي تطبيقها للحاكمية منطلق لتطبيقها في مؤسسات القطاعين العام والخاص.
الدليل ، وهذه المرة بمعنى العقل والوجدان ، يقودنا إلى البناء على التجارب السابقة ، وليس الانقلاب عليها ، ويقودنا إلى فهم حاجتنا من إعادة بناء مؤسساتنا وفق معايير الحاكمية ، وهي ليست معايير جديدة لم نكن نعرفها من قبل ، ولكنها اليوم ضرورة ملحة لكي نتمكن من وضع حد للشعور بالعدمية والاغتراب والانفصال عن الواقع وعدم القدرة على العمل والانجاز ! الرأي