لم يمل وزير الخارجية الاميركي جون كيري ولم يكل من سفح ماء وجهه والاستمرار بتملق ايران واستجدائها باتخاذ قرارات صعبة بالنسبة لمفاوضات مشروعها النووي الذي من المفترض أن كل من له معرفة ولو قليلة بنهج «التقية» المتبع منذ بداية الدولة الصفوية وقبل ذلك لا بد وأنه يعرف ويدرك انه لا تراجع عن هذا المشروع وإن اقصى ما هو متوقع ان تكون هناك استراحة محارب قصيرة ولكن بمجرد الكلام اللطيف والمعسول الذي دأب الرئيس حسن روحاني على تسويقه وكما كان سلفُ سَلفه محمد خاتمي الذي يبدو أنه قد قام بما هو مطلوب ثم ذهب وهو لن يعُد.
والواضح ان كل ما يريده كيري، وقد باتت أيام باراك اوباما قصيرة، هو أن يأخذ معه الى مرحلة التقاعد انجازاً يسجله التاريخ له ويبقى يتباهى به ما دام على قيد الحياة ولذلك فانه لم يتعب في استجداء الايرانيين بأن يأخذوا «قرارات صعبة» كما انه لم يتعب من الاستنجاد بزملاء له هو يعرف انهم لا يملكون ما يقدمونه في هذا المجال سوى الحركات الاستعراضية التي من غير الممكن ان تؤثر على التوجه الايراني ولو بمقدار قيد أنملة!!.
هناك قوانين للصراع في مثل هذه الحالات من المفترض ان وزير خارجية أكبر وأهم دولة في العالم يعرفها وأول هذه القوانين هو انه لا يمكن انتزاع أي تراجع من خصم كإيران إن لم تكن إما أو قصة ارضاً او امسكت به من الذراع التي تؤلمه أما ما عدا هذا فانه مجرد استنزاف للوقت وانه مجرد اعطاء ايران المزيد من الفرص لانجاز مشروعها النووي.
إن ايران التي تحتل الآن عملياً أربع دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن الذي اصبح تعيساً ولم يعُد سعيداً هي في مرحلة التفوق والانتصار والمؤكد ان العقوبات الاقتصادية التي هي سلاح اميركا والغرب الوحيد لا يمكن ان تمنعها من الاستمرار في ما هي عازمة عليه طالما انها هي من يتحكم بأموال النفط العراقي وطالما انه غير مستبعد انها تحصل على «أتوات» مجزية من بعض الدول العربية المصدرة التي لا يهمها من كل هذا الذي يجري في المنطقة الا سلامة رأسها.
كان على الولايات المتحدة ومعها تحالفها أن تدرك انها لن تستطيع انتزاع اي شيء من ايران ما لم تُكسِّر اجنحتها وما لم توقف تمددها في هذه المنطقة وبالتالي ما لم تخرجها من العراق وتوفر للمعارضة السورية (المعتدلة) ما يجعلها قادرة على التخلص من نظام بشار الأسد أما وأنَّ واقع الحال هو هذا الواقع فان المؤكد أن كيري لن يستطيع تليين صلف الايرانيين حتى وإن هو بقي يستعطفهم ويستجديهم حتى يوم القيامة.
إن ايران تريد النووي ليس لتحرير فلسطين ولا لإزالة اسرائيل من الوجود، فهذه مسألة تستخدمها للضحك على العاجزين وعلى أصحاب أنصاف العقول وإنما للهيمنة على هذه المنطقة ولتخضعها للامبراطورية الفارسية الجديدة التي تحدث عنها علي يونسي ولذلك فإنها سبتقى تساوم على طريقة «دهاقنة» الفرس الذين قرأنا في كتب التاريخ القديمة دون أن تعطي لا لوزير الخارجية الاميركي ولا لغيره ما يمكن أن يعتبر انجازاً تاريخياً فالامور واضحة كل الوضوح اللهم إلا لمن يصر على الاستمرار بالتعلق بحبال الهواء. الرأي