تنعقد القمة العربية هذا العام في مناخات سياسية مشبع هواؤها بالدم وليس برطوبة آذار، فلم يسبق من قبل وعلى امتداد اكثر من خمسة عقود وعشرات القمم ان كانت عواصم قد سقطت واخرى على وشك السقوط، ولم يسبق ان مرّ الوطن العربي بمثل هذا التفكك والانتهاك.
وسؤال هذه القمة التي يجب ان تكون استثنائية جدا وليست دورية او موسمية فقط هو الكينونة او العدم، فالمستور كله انكشف والاقنعة كلها تساقطت وما عاد للاعلام المحترف في حجب الحقائق اية فرصة في ممارسة هذه المهمّة.
تنعقد هذه القمة فيما تنفرط عناقيد كثيرة، وتشهد ذروة المسلسل الذي كانت حلقاته تُبثّ على الهواء باللحم الحيّ في حروب الاخوة الاعداء، حيث اختزلت اوطان الى طوائف وقبائل وحارات وأزقة.
ليس لدينا نحن الذين لا حول لنا ولا قوة سوى الكلام وما نعظ به او نقوله ويكون غير قابل للصرف، لكنه اضعف الايمان كالعادة، فالعرب الان على المحك، وأعسر اختبار لهم هو الاستحقاق سواء تعلّق بالاستقلال او البقاء على قيد التاريخ، فالمشهد بكل ما انتهى اليه من تصدّع يرشح الدم من كل زواياه، ولا يحتمل اي تهوين او استخفاف، وما يتم تداوله الان حول تشكيل جيش عربي موحد او اية صيغة في النطاق القومي يحتمل احد مصيرين او كليهما..
الاول هو اسدال السّتار لمجرد اصدار البيان الختامي، والثاني هو البحث عما تبقى من جيوش بعد متوالية التفكيك والبطالة العسكرية والخصخصة الطائفية.
ان تدارك ما تبقى وهو قليل امانة في اعناق من يتولون الامر، فهم انفسهم لم يعد لديهم بوليصات تأمين من اي نوع ضد المصائر التراجيدية ونادرا ما يكون الدفاع عن النفس هو ذاته الدفاع عن الوطن بحيث يصبح الاثنان دائرتين بمحيط واحد ومركز واحد لأنهما متطابقتان تماما.
ما لدى قادة العرب الان من اسئلة قابل للتحول الى مساءلات فالفأس قاب خطوتين او ادنى من الرؤوس كلّها، والرفاهية التي كانت تتيح لقمم سابقة ان تكون حفلات بروتوكولية لم تعد موجودة، اما الوقت فهو ايضا لم يعد من ذهب او ماس، انه من دم.
القيعان بكل ما تعج به من حصى وشقاء وظمأ واستبداد ترنو الى القمم بعتاب لكن الفارق بين العتاب والعقاب اكثر من مجرد خطأ مطبعي، فالسيل تجاوز الزّبى والكيل فاض وأصبحنا نحصي ساعاتنا وليس ايامنا فقط بعدد قتلانا ومشردينا والمذبوحين من ابريائنا، هذه القمة ان لم تكن جديرة بتلبية استغاثة ثلث مليار فهي مجرد كذبة نيسان! الدستور