هل ينشرُ المعرفة مَنْ يكره المدرسة؟
سليمان الطعاني
22-03-2015 05:00 PM
لم أكن اتصور كل هذه الكراهية للمدرسة، كنت اذهب الى مدارس الأولاد (أولادي) وأسأل الطلاب عشوائيا، هذا السؤال، هل تحب الذهاب للمدرسة، هل تحب المدرسة؟ ما رأيت طالبا يحب المدرسة، حتى المجتهدون منهم يقولون أنا لا أحب المدرسة ولكني أذهب لها عشان يكون معي شهادة، وآخر يقول (عشان أبوي وأمي)، وآخر ارتجل لي قصيدة يهجو فيها المدرسة والمدير والمعلمين بأقسى العبارات، ويدعو فيها عليهم جميعا !!!
أحد الطلاب قال لي: انا لم أسمع هذا السؤال من غيرك، ولا حتى من معلمينا او اي من المسؤولين.
يوم الأحد مكروه، عند أولادنا، كيف لا وهو اليوم الدراسي الأول في الأسبوع؟ ومعه يبدأ طلاب المدارس بالتلكؤ والتململ في الاستيقاظ، وكأنما يساقون الى الموت! لماذا كل هذه الكراهية؟ ولنقل كذلك: لماذا يكره المعلمون مدارسهم أيضا؟
اكتملت دائرة الكراهية للمدرسة لتعم الطالب والمعلم، ألم تسأل وزارة التربية والتعليم نفسها يوماً، هل يمكن أن ينشر السعادة والعلم والمعرفة من يكره المدرسة؟ سواء الطالب أو المعلم.
الكثير من الأسر الأردنية يبدون حسرتهم على المستوى الذي صارت تمثله المدرسة في أذهان ابنائـــــــهم وكرههم لها، ويتأسفون على تلك الأيام التي كانت فيها المدرسة صانعة للأجيال، وكان فيها المدرس وجيهاً في مجتمعه، يستشار في الصغيرة والكبيرة ويقدمونه في المجالس والمحافل لمستواه الرفيع وتحمله لأمانــة تربية الأجيال، المدرسة باتت بالنسبة لطلابنا عبارة عن سجن، لا يحسون أن هناك أشياء تجذبهم إليها أو لا يحسون بالانتماء لها. ولا يجدون من يتعاطف معهم من المدرسين، بعض الطلاب يقول ان هناك معلمين لا يحسنون التعامل معنا لإيمانهم انه يجب عدم الاهتمام بنا واحترامنا لأننا أولاد صغار بنظرهم وأنه يجب أن نخضع للمعلم حتى لو أخطأ بحقنا.
وزارة التربية والتعليم قبل التضييق على الطالب أكثر وأكثر، وقبل الادلاء بتصريحات أن معالي وزير التربية والتعليم "يعتصر الماً" على واقع نتائج امتحان الثانوية العامة، معلنا على الملأ أن 342 مدرسة تقدم طلبتها لامتحان التوجيهي في دورته الصيفية السابقة، ولم ينجح منهم أحد !!! مشيرا معاليه إلى وجود خلل منذ 20 عاما ولم يفصح عنه معاليه، وليس بمقدور وزارته معالجته في عام واحد.
قبل هذا وذاك، وزارة التربية والتعليم مدعوة للاطلاع على نماذج من هذا العالم الواسع حول علاقة الطلاب بالمدرسة بمعيار الحب أو الكراهية، فمثلا في يوم عطلة السبت من الإجازة الأسبوعية في كوريا الجنوبية، يعود للمدرسة أكثر من 70% من الطلاب في تفضيل للمدرسة على العطلة، ويطلب معظم هؤلاء الطلاب الانتظام في برامج التأهيل البدني والنفسي الشاق ليوم هو أشبه بالمعسكر، ولكنهم يرون فيه متعة تفوق متعة الأيام الدراسية الخمسة السابقة.
وفي ماليزيا مثلا، أدرك وزير التعليم الماليزي في الثمانينات، أدرك كارثة كراهية المدرسة بالنسبة للطلاب لينزل بأسطول بحثي من خبراء التربية العالميين إلى قلب هذه المدارس ثم يخرج منها بمعايير تحدد شكل وجوهر العلاقة في هذه المتلازمة ما بين الطالب والمدرسة ومعيار الحب والكراهية، وجدت ماليزيا أن حجم الترفيه ومساحة الطالب في المدرسة، ومقدار العبث الدراسي وعدد الحصص، وأيضاً نوع المناهج وحجمها، إضافة إلى معيار الابتكار والإبداع مقابل الحفظ والتلقين، هي الأسباب الأساسية في هذه الكراهية.
وفي اليابان مثلا يتم تدريس مادة من أولى ابتدائي إلى سادسة ابتدائي اسمها الطريق الى الأخلاق يتعلم فيها الطلاب الأخلاق والتعامل مع الناس، وأن الهدف في المدرسة هو التربية وغرس المفاهيم وبناء الشخصية، وليس فقط التعليم والتلقين والحشو.
لنعترف بالمشكلة، لنعترف ان أولادنا يُقادون إلى مدارسهم كالأضاحي صباحا، والسبب أنّ المدرسة أصبحت بيئة طاردة، ليس للطالب وحده، بل حتى للمعلم، الذي يفكر طوال سنواته بلحظة ذهبية يقتنصها ليخلص نفسه من هذه البيئة،
معظم دول العالم المتقدم توصّلت إلى فكرة التعليم بالترفيه هي الأسرع نجاحاً، وإيصالاً للمعلومة من الطرق التقليدية الجافة، معظم هذه الدول تفهّمت أنّ المناهج الطويلة الكئيبة لا تخلق جيلاً مبدعاً، وحلّت هذه الإشكاليات مبكراً منذ القرن الماضي، بل حتى دول آسيوية، كاليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية، عرفت منذ زمن أنّ طرق التعليم الحديث، التي تجعل الطالب مبدعاً خلاّقاً، محباً لمدرسته بكل إمكاناتها، من ملاعب ومختبرات وأبنية وتدفئة وأصدقاء، هي الأساس في العملية التربوية التعليمية، بل أصبحت المدرسة هي امتدادا للمنزل بكل ما فيه من أدوات وتقنيات حديثة، إن لم تتفوّق عليه، وذلك باستخدام التقنية في التعليم.
العالم يتطوّر في أدوات التعليم ووسائله، ويتجدّد في مناهجه، ونحن كل عام مؤتمرات وندوات وتجارب على الطالب وعلى التوجيهي، العالم يخلق من المدارس بيئات مناسبة ولائقة، ومنافسة ونحن نتبرع للمدارس!!
طلاب العالم لهم ذاكرة جميلة مع مدارسهم، يحنون الى مبانيها والى كل لحظة امضوها فيها، ويذهبون بشغف وحب كل صباح، بينما أولادنا يكرهون سيرة المدرسة وينظرون بشغف الى أية عطلة عابرة.
لماذا يكره طلابنا مدارسهم؟ سؤال إلى الآن لم يأبه مسؤولونا عن البحث عن إجابة له، ولم نرى أي من الباحثين او الدارسين انهم تصدوا للإجابة عليه، وخلاصة القول: إن لم يكن التعليم هو الحب، والحب