الخارطة الاقتصادية ما بعد الاتفاق النووي الإيراني
د. أنور عادل الخفش
22-03-2015 12:03 PM
غنى عن الذكر بأن الإتفاق النووي الإيراني هو عنوان مرحلة تاريخية جديدة في إدارة النفوذ العالمي وخاصة الاقتصادي من كان ينتظر على الضفة الأخرى حربا كمن أزال حجراً الذي يخفي جبلاً، إن الاتفاق جاء عكس قاعدة التوازن لمرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية الإقليمية خلال الفترة الماضية والقائمة على أمن إسرائيل وتأمين وإدارة إنتاج النفط في الاسوق العالمية والتغيير في استراتيجية أمريكا النفطية نحو الإعتماد الذاتي. إن نتائج ومفاعيل الإتفاق سيرسم معالم التحولات الجيوسياسية الكبرى، وتوزيع المصالح وتغيير الخارطة الإقتصادية لعالم جديد، وإعادة تموضع النفوذ عنوانه الشراكة الدولية.
لا نريد ان نذهب كثيراً بتحليل إتجاه ما يحصل من تغيير في السياسة الأمريكية، كذلك لا يفكر أحد بإنهاء الدور السعودي ولا يمكن لاي جهة إنهاء هذا الدور، وان مقالة وزير الخارجي الإيراني الذي إختار جريدة الشرق الاوسط لنشرها تحت عنوان "الأولوية لجيراننا" يؤكد إدراك إيران لأهمية هذا الدور بل أستطيع القول كمراقب ان إيران تسعى بجدية للتفاهم مع السعودية ومن الأفضل لإيران إثبات جديتها في رفع القلق العربي وتفهم هذه المخاوف وتقدم ما يطمئن دول المنطقة والسعي بأن تكون السعودية شريكا وجزءاً من الحل، بل المطلوب من الدول الكبرى بإعادة تشكيل أطراف المفاوضات النهائية لتصبح (6+2) الدول الكبرى وإيران والسعودية، إن هذه الصيغة تشكل ضمانة للتفاهم السعودي الإيراني، من المعروف أن إيران تعمل ضمن خريطة طريق بتوافق وبمظلة منظومة دولية بالمقابل المطلوب بأن تكون السعودية ضامنة لإنهاء الصراعات الاقليمية.
إن الاتفاق المبدئي مدته ستة أشهر يعتبر فترة اختبار أو مرحلة تبريد للصراعات أو فرصة لإعادة التموضع الإقليمي، وإن التفاهمات السياسية غير المعلنة للاتفاق هو الاعتراف بدور إيران في إدارة النفوذ الإقليمي، من الحكمة أن نجعل إسرائيل هي المتضرر الوحيد من هذا الاتفاق، من خلال اعتماد سياسة التقريب والتقارب مع إيران بهدف الوصول إلى تفاهمات تضمن صيغة المشاركة في الحل النهائي وشركاء المستقبل والتقارب أفضل من مواجهة لا جدوى مرجوة منها عندما يقول الرئيس الامريكي ما أتفق عليه سيجعل العالم اكثر أمناً يعني أن معارضة الإتفاق لن تجدي نفعاَ.
إن الإنفتاح الدولي على إيران سيجعلها القوة الإقتصادية الأكبر في المنطقة هذه حقيقة فلابد أن نكون جاهزين لهذه النتيجة الحتمية ، رغم الحصار الإقتصادي والمقاطعة الدولية لإيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، يعتبر اقتصاد إيران هو ثالث أكبر إقتصاد في الشرق الأوسط ، وإيران إحدى الدول التي لم تتاثر من الأزمة المالية العالمية عام 2008 . بلغ الناتج الإجمالي لإيران 997,4 مليار دولار عام 2012 ، إن مصدر قوة الإقتصاد الإيراني كامن في تنوع مصادره مما يجعلها مؤهلة لتكون من الإقتصادات الكبرى ، تشكل الزراعة 10,9% والصناعة 45,2% والخدمات 43,9% ، إن الصناعات الإيرانية شاملة لكافة القطاعات ( السيارات ، الإلكترونيات ، الصناعات الغذائيه و المعدنية والصناعات العسكرية، الإتصالات، الأدوية ، الإسمنت ) بالإضافة لتقدمهم بالصناعات الهندسية وامتلاك المعرفة الفنية ، كل هذا تم إنجازه رغم الضغوط والعقوبات الإقتصادية والسياسية.
إن تطور الإقتصاد الإيراني بعد الإتفاق وإنهاء العقوبات سيمكنها من إسترداد ما يزيد عن 100 مليار دولار ، والإنفتاح على الأسواق العالمية والتجارة الدولية ، ومن المعروف أنها عضو في منظمة التعاون الإقتصادي ، أوبك ومنظمة التجارة العالمية ( مراقب ) وأن إعادة حصة إيران من الصادرات النفطية سيمكنها من تعزيز قوة وقدرة وإستقرار إقتصادها وصولاً إلى الإستقلال الإقتصادي والإجتماعي ، والعمل على تصدير الطاقة النووية ، مما سيزيد من تأثيرها السياسي تشيرعدد من التقارير الإقتصادية المتخصصة بأن أوروبا تستعد لإقامة مصانع في إيران وكما أن صناعة النفط والشركات الامريكية تستعد للعودة للسوق الإيراني.
أَدرِكو أثار الإتفاق بالتدبير وصولاً إلى تفاهم إقتصادي مشترك والتفكير بمبادلة إستثمارية لإيران مقابل الإستثمار المباشر في حصص لصناعات إستراتيجية إيرانية قائمة من صناعة الإلكترونيات وصناعة التعدين والإتصالات مع حقوق نقل المعرفة الفنية، وأستيراد الطاقة النووية بشروط تفضيلية مستقبلاً ، بل العمل على مؤسسة التفاهم الإقتصادي من خلال نافذة دبلوماسية إقتصادية والعمل على إنشاء مجلس إقتصادي مشترك.إن التفكير بصياغة تفاهم للشراكة في المنطقة هو طريق الفكر الراشد والعقل الراجح ، وان نكون شركاء في الحل هو الضمان الوحيد الذي يؤمن طريق سريع للشراكة الشاملة طويلة الأمد شراكة إستراتيجية حقيقية ، يوفر الأمن والإستقرار لمنطقتنا العربية ، متطلعين ان نكون شركاء في تحقيق التنمية والعدالة الإقتصادية لشعوب المنطقة وصولاً إلى الالفية الثالثة.
إن إعادة التموضع في الإقليم سيكون متناغماً ومنسجماً لما تم التوصل له من تفاهمات دولية مع إيران ، مما يوفر للمجموعة العربية دورها كشريك لا يمكن تجاوزه ، في عملية تطوير وإدارة النفوذ الإقليمي على أسس الشراكة الإقليمية المتوازنة في المجال السياسي والإقتصادي وإنهاء سياسة المحاور والعمل معاً على إنهاء الصراعات الإقليمية وضرورة أن تعمل كل القوى السياسية في خلق بيئة تعزز الحوار والتلاقي.
*خبير اقتصادي وباحث بالشؤون الاستراتيجية