الوضع المثالي للإعلام المهني أن يكون محايداً، يقدم الصورة كما هي، ويعطي فرصاً متساوية لوجهات النظر المختلفة، ولكن يبدو عملياً ان الحياد الإعلامي مستحيل، فالإعلام ينحاز عن طريق الانتقاء، ومن هنا يكفي أن يكون الإعلام موضوعياً فلا يختلق الأحداث أو يلونها ولا يتبنى أجندة مسبقة.
في فضائيات هذه الأيام يمكن اعتبار البي بي سي نموذجاً للإعلام الذي، وإن يكن محايداً بالمطلق، إلا أنه موضوعي إلى حد بعيد، يبرز وجهتي النظر بعدالة.
أبرز مثال على الوجه الآخر هو فضائية الجزيرة التي شكل انطلاقها قبل ربع قرن ثورة إعلامية كان العالم العربي يفتقر إليها، وقد اكتسبت سمعة عالية بسبب جرأتها وأثارت إعجاب العالم وكان خمسون مليون عربي يستمعون إلى نشرة أخبارها.
هذا الوضع سقط للأسف مرة واحدة وإلى الأبد عندما تحولت الجزيرة إلى أداة تحريض تمثل جانباً من الاستقطاب السياسي وتأخذ دون تحفظ جانب الإخوان المسلمين وتركيا، وتشجع منظمات الإرهاب في سوريا وليبيا وخاصة في مصر حيث أصبحت بمثابة الناطق بلسان الإخوان المسلمين.
تسـمح الجزيرة بظهور الرأي الآخر على يد مفكر من الدرجة الثانية، ثم لا تكاد تسمح له بالكلام لكثرة المقاطعة العدائية، ويتحول الصراع بين صاحب هذا الرأي وبين المذيع الذي يفترض فيه أن يدير الحوار لا أن يفرض رأيه المسبق الذي يمثل سياسة الدولة المالكة للقناة.
في الوقت الذي كان فيه مؤتمر مصر الاقتصادي منعقداً في شرم الشيخ يحقق نجاحاً باهراً ويدعم مصر سياسياً ومالياً واقتصادياً، لم تتورع الجزيرة عن بث أشرطة قديمة لمظاهرات رابعة، وأن ُتجري مقابلة مع مسؤول تركي من حزب السلطان اردوغان يؤكد فيه أن المؤتمر فاشل وأن التنمية في مصر لن تنجح لغياب الأمن. ومن المعلوم أن تركيا وإيران وإسرائيل لم ُتدع لحضور المؤتمر.
تستعمل الجزيرة لعبة الاصطلاحات، فالإرهابي يسمى معارض للانقلاب، والبرلمان الليبي المنتخب يسمى البرلمان المنحل، وجيش ليبيا الوطني التابع للحكومة المعترف بها يسمى جيش حفتر.
يذكر بالمناسبة أن الجزيرة قدمت خدمة كبيرة لإسرائيل عندما فتحت باب الحوار مع زعماء إسرائيل، وأدخلتهم إلى كل بيت عربي بحجة الرأي الاخر. الرأي