مباراة بدون جمهور .. ممكن .. جمهور بدون مباراة .. مستحيل
سامر حيدر المجالي
21-04-2008 03:00 AM
رغم عشقي الشديد لكرة القدم .. وأوداجي التي طالما انتفخت حسرة على فرصة ضائعة أو قرار تحكيمي جائر ، فإن حظي مع هذه اللعبة كان عاثرا ونصيبي منها يبعث على اليأس والإحباط . لقد جربتها لاعبا ناشئا فتلقيت في أهم مبارياتي ركلة ( متعمدة ) وجّهها لاعب الفريق الخصم إلى وجهي بعد أن ارتميت على الكرة وخطفتها من أمامه كي أحرمه من تسجيل هدف في مرماي ، فبقي أنفي وعيني اليسرى منتفخين أسابيع عديدة .
ثم التحقت بالجماهير وأصبحت من رواد المدرجات في عمان واربد والكرك ، إلا أن أحد المباريات انتهت ب " هوشة " من العيار الثقيل المُجَحْفَل ، فتلقيت حجرا طائشا أصابني في حنكي وأفقدني توازني وكدت أفارق هذه الدنيا رجيما ، أعاذني الله وإياكم من الشيطان الرجيم ، فقررت من يومها أن أُطَلِّقَ ستاد عمان الدولي وكل الملاعب الرياضية طلاقا بائنا بينونة كبرى ، فمن خاف سلم .. ويا روح ما بعدك روح .
عذرا لهذه المقدمة التي تتحدث عن تجربة شخصية في شأن عام يخصنا جميعا ، لكن ما يميز اللعبة الشعبية الأولى في العالم أنها لعبة يختلط فيها الخاص بالعام فتصلح بذلك لأن تكون مجهرا مكبرا يكشف نقاط ضعفنا وقوتنا دون مواربة أو خجل ، فهي نبض الشارع الحقيقي ، ومدرجاتها تضمنا جميعا بكل آمالنا وهمومنا .
إقامة مباراة الفيصلي والوحدات بدون جمهور للأسباب التي ذكرها الاتحاد ، تعني أن كل التدابير التي اتخذتها الجهات الرسمية بالتعاون مع رابطة المشجعين قد فشلت في أن تؤتي ثمارها وتقضي على الداء العضال الذي مازال يفتك بنا وبأخلاقنا وقيمنا . وهم معذورون في ذلك لأن المسألة ليست مسألة مجموعة من الجماهير اجتمعت في مكان واحد فأطلقت العنان لانفعالاتها فغضبت وشتمت وجرحت وأهانت ، الموضوع أعمق من ذلك بكثير ، وما الملاعب إلا سطح الماء الذي ظهرت فيه الفقاقيع معبرة عما في العمق بعيدا عن الأنظار ...
الموضوع أننا جميعا نلعب مباراة خارج الخط بل خارج حدود الملعب كله ، نلعبها في نومنا ويقظتنا وفي كل أحوالنا ، نلعبها بالاتجاه الأفقي بين بعضنا وضد بعضنا فقط !! بعد أن أصبحت كل الاتجاهات الرأسية مغلقة في وجوهنا فلم نجد بدا من أن نقبع في القاع ونرضى بقوانينه .
انظروا إلى كل هذه الدوائر التي تكبر وتصغر وتتجاذب وتتنافر بحسب واقع الحال . الدائرة الكبيرة تبدأ على مستوى الوطن كله فتقسم الناس إلى شرقي وغربي وشمالي وجنوبي ومسلم ومسيحي وعمري وزيدي ، ثم تصغر إن جدّت لها ظروف جديدة ، فتظهر على مستوى المحافظة ثم على مستوى العشيرة ثم على مستوى الفخذ وهكذا .. إلى أن تصل في النهاية إلى الإنسان نفسه فتصيبه بالفصام وتقوده إلى الجنون . كلها دوائر أفقية تفسد نسيجنا الاجتماعي وتهدد بنياننا بالانهيار .
إنها ثقافة " ويلك يا اللي تعادينا " التي ننفسها في بعضنا ونجترها في كل مرة يتهيأ لها ظرف مناسب ، هذه الثقافة قصرت يدها عن العدو الحقيقي الذي هو يذيقها الويل في حقيقة الأمر ، فنفست عن كربها وغضبها في نفسها ، وبدأت تأكل جسدها قطعة قطعة .
حضرت في أحد المرات مباراة بين فريقين محليين في محافظتي التي اعتز بها وبأهلها ، فكادت تلك المباراة أن تتحول إلى مذبحة حقيقية لولا أن منَّ الله علينا ببعض العقلاء الذين تداركوا الموقف في لحظاته الأخيرة . وشاهدت وشاهد كل واحد منكم منافسات انتخابية تحولت إلى ساحات حرب وقتال ذهبت فيها الكثير من الأرواح هدرا ، لا لشيء إلا لأننا نريد أن نذيق الويل لمن يعادينا ، وليتنا قادرون على تحديد عدونا الحقيقي !!
ما الذي تريدونه أيها الأردنيون بكل أصولكم ومنابتكم ؟ عيشكم في انحطاط وفقركم في ازدياد ومعدلات بطالتكم في ارتفاع ، والأدهى والأمر أن هناك من يريد أن يحولكم إلى " فِيَش " فوق طاولة روليت كبيرة ، أو يجعلكم مجرد شواخص مرورية فوق دروب وأراض ابتلعها مستثمرون غرباء .
فوجهوا طاقاتكم نحو ناب الجوع والعبوا مباراتكم ضده ، واعرفوا عدوكم الحقيقي الذي يسعى لابتلاعكم جميعا .
samhm111@hotmail.com