المصالح شيء متحرك. صعب على أميركا أن تقف مع باكستان والهند معا، فاختارت باكستان. واستحال عليها أن تقف مع تركيا ضد اليونان، فوقفت مع كليهما. ورفعت شعار الديمقراطية. لكنها دعمت علنا أسوأ الأنظمة الديكتاتورية في آسيا وأميركا الجنوبية، ثم انقلبت عليها، من الفلبين إلى البرازيل.
أيدت موسكو السوفياتية عبد الناصر والعراق وسوريا، فيما كانوا يرمون الشيوعيين المحليين في السجون. وتصالحت أميركا نيكسون مع صين ماو تسي تونغ نكاية بموسكو بريجينيف. لكن وزراء خارجية هذه الدول حرصوا على صورة الثبات والالتزام، بأقنعة أو من دونها. فوزير الخارجية هو صورة الدولة، لذلك، أبقت موسكو أندريه غروميكو عقودا طويلة. وبدأ أوباما عهده بتعيين هيلاري كلينتون، منافسته على الرئاسة. وأعطى رؤساء أميركا المنصب لكبار الدبلوماسيين أو كبار أساتذة الجامعات. وفي فرنسا وبريطانيا تولى المنصب رجال ثقة ومعرفة تاريخية.
مشكلة المستر كيري أنه رجل مغلوب، والمغلوب يتقلَّب وفقا للغلب. كل يوم كان يصرِّح بالتفاؤل عن الاتفاق مع إيران، إذا كان اليوم مفردا، وكان ينفي إذا كان اليوم مزدوجا. واللوم ليس كليا عليه، فهو يمثِّل أيضا رئيسا مغلوبا، وهو ما رفضته هيلاري كلينتون. وقد تنقلت سياسة أميركا ومواقفها مع تنقلات الوزير الذي يبحث عن الرابعة في عز الظهر، كما يقول الفرنسيون. وبدا في مغازلاته مع ثعلب موسكو سيرغي لافروف، رجلا متسرعا يفرح بحبل الإنقاذ، ثم يكتشف أنه التف حوله وكبّله. لم يحقق كيري لرئيسه أي خطوة، أو يكمل أي عمل. ولم يلقَ من إيران سوى الكلام المهين. ومنذ سنوات وهو يجول من دون أن يصول ومن دون أن يصل.
ومعه تجول الخارجية التي أصبحت عبارة عن وزير وناطق، ولم يعد العالم يعرف أسماء وكلائها. مرت الوزارة بحالات بائسة كثيرة، كانت تغطيها غالبا هالة الرئيس، كما في شراكة بيل كلينتون ومادلين أولبرايت. أو كان الوزير يغطي الرئيس كما في حالة كولن باول وجورج بوش. لكن في الثنائي أوباما – كيري لا عكاز يسند الآخر.
رئيس مونترو في البيت الأبيض، ووزير لا يرى في واشنطن. كلاهما يتصرف كأن الاتفاق مع إيران هو القضية الخارجية الوحيدة. وإيران لا تخفي سعادتها في أن تبدو أميركا وكأن لا خصم لها في الأرض سوى طهران. ولا مانع لديها من أن تواكب برا طائرات أميركا. النتائج مضمونة سلفا. الشرق الاوسط