عبر كثير من السياسيين العرب ومعهم كثير من الكتاب عن خيبة أملهم من نتيجة الانتخابات «الاسرائيلية» الأخيرة التي عادت بنتنياهو إلى رئاسة الحكومة للمرة الرابعة التي لم يسبقه إليها أحد من زعامات «اسرائيل» التاريخية، ويبدو أنه كان لديهم بعض الأمل بفوز خصمه هيرتسوق رئيس الاتحاد الصهيوني المتحالف مع «ليفني» لعل في ذلك يشكل تغييراً في مسار التسوية الإقليمي.
غضب الساسة والكتاب العرب يحمل قدراً كبيراً من الغرابة والاستهجان ويحتاج إلى حوار جدي مع منهجية التفكير العربي، من أجل وضع النقاط على الحروف في كثير من القضايا الاستراتيجية الكبرى، التي ينبغي أن تكون محلاً للتوافق العربي على الجملة، ومن أهم القضايا التي تمس هذا الموضوع:
أولاً: الارتكاز على نتائج الانتخابات «الاسرائيلية» والتعويل عليها يعبر عن غياب المشروع العربي غياباً مطلقاً، ويعبر عن ضياع الذات ضياعاً مرعباً على المستوى الفلسطيني والعربي، وفي ظل غياب المشروع والرؤية يصبح التعلق بأحبال الهوى، وانتظار مزاج الناخب «الاسرائيلي» هو الأمل،والذهاب الى التعويل على معسكر العدو.
ثانياً: انتظار نتيجة الانتخابات «الاسرائيلية» على أحر من الجمر لدى الزعامات العربية والمنظرين السياسيين، يؤشر على حالة الإنكار التي يعيشها العرب ولا يريدون الاعتراف بحقيقة الاحتلال الاستيطاني الذي يمثل مشروعاً صهيونياً قائماً على أسس دينية وركائز ثقافية ورؤى سياسية، يتفق عليها اليمين واليسار والوسط، تقوم على مجموعة مقولات كلها تبدأ بلا:
لا للانسحاب من الأراضي المحتلة، لا لتقسيم القدس، لا لعودة اللاجئين، لا للدولة الفلسطينية، أما نتن ياهو فهو يتبنى مشروع يهودية الدولة، ويتعهد بعدم قيام دولة للفلسطينيين ما دام رئيساً، وكان ذلك سبباً في عودته.
ثالثاً: هناك ميل واضح لدى كثير من العرب إلى ضرورة التكيف مع متطلبات المشروع الصهيوني من جهة، ومشروع التسوية الإقليمي الذي يراد فرضه على المنطقة في ظل الظروف الإقليمية الحرجة وفي ظل الفوضى التي تسود معظم الأقطار العربية، خاصة الأقطار العربية الكبرى مثل مصر والعراق وسوريا، التي تعيش أوضاعا سياسية واقتصادية لا تحسد عليها.
رابعاً: إن مجيء نتنياهو إلى سدة الحكم في حكومة الاحتلال، وهو يعلن برنامجه الصريح بوضوح إلى جانب حليفه ليبرمان الذي يكشف حقيقة ما يكتنزه من حقد على العرب والفلسطينيين، أفضل من مجيء آخرين قادرين على استقطاب الرأي العام الغربي والعالمي عبر خطاب المراوغة والتدليس الذي يجمّل صورة الاحتلال، ويزيل بعض التشوّه الذي يظهر في حقيقة الاغتصاب، فهذا لن يخدم العرب ولن يخدم الأطراف الفلسطينية، وإنما يخدم مستقبل «اسرائيل» على وجه التحديد والحصر.
بقي السؤال قائماً حول مشروع الفلسطينيين في ظل هذه النتيجة التي تمثل هذه الدرجة من الوضوح من المشروع «الاسرائيلي»، وهل سوف نمكث طويلاً ونحن ننتظر مكرمة التعطف الصهيوني ومكرمة زعماء الكيان المغتصب القائم على انكار الحق عبر التضليل والخداع التاريخي طويل المدى؟
إننا نعيش حالة تستحق الرثاء على مختلف الأصعدة، ومن كل الاتجاهات، بعد فشل التجارب العربية على الجملة والتفصيل، والمشكلة تكمن في عدم امتلاك الجرأة على الاعتراف بالفشل، وعدم امتلاك الشجاعة الكافية لمصارحة الجماهير، بل إن المشكلة الاكثر عمقاً وتعقيداً عندما يصبح الساسة و المثقفون والزعماء جزءاً من مشهد التضليل المزري. الدستور