هل يفهمنا اهلنا في الخليج؟!
د. عدنان سعد الزعبي
19-03-2015 03:13 PM
الاشارة التي اطلقها الكاتب القطري المعروف محمد المسفر لدول الخليج تجاه الاردن هي نفسها التي اعتمدها الاستراتيجيون والمخططون والسياسيون في الخليج بضم الاردن لمجلس التعاون, وهي نفسها التي تحرص فيه كل من الامارات والبحرين والكويت والسعودية في الانتقال بها من القول للفعل.
استاذ علم السياسة والمحلل القطري محمد المسفر والمتابع لمنحنى التغيرات في المنطقة ولمنهجيات المحاور السينية والصادية التي تقود صراعا مراسه صعب في لعبة السيطرة على المنطقة وتحويلها لاكثر من مجرد ورقة ضاغطة تحقق الاهداف والغايات بعيدة المدى، فالاردن يمثل قيمةكبرى وقوى اضافيه يطمع الكثيرون باستقطابه ويسعى الكثيرون للتحالف معه.
اخوتنا في الخليج وبخاصة المطلعون يدركون تماما ان الاردن يشكل خاصرة امنية وقوة جيو سياسية ورؤى عالمية تتماشى مع التوجهات الانسانية ومصداقية دولية صنعتها واقعية التصورات الاردنية لكثير من الاحداث والازمات. ومواقف عظيمة ساهمت بتحقيق الاستقرار لكثير من الانظمة العربية والجبهات العربية على مر السنين.
ان التفريط بالاردن الذي يعاني من تحديات جسام خطأ استراتيجي كبير ستعود سلبيته على جميع دول الخليج التي تشهد حالة من التدخل الخارجي والنفخ في اضرام المنطقة وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وبالتالي اعادة خلط الاوراق.
ما يجري باليمن وجرى بالبحرين والعديد من المحاولات بالامارات وما جرى بالعراق وليبيا ومصر وتونس..وغيرها مجرد بداية مؤامرة مكتملة الاركان لاضعاف المنطقة وتقسيمها، وهي بهذا احوج الى الصحوة والانتباه والتيقن والتعاون العربي ليكون بذاته قوة قادرة على اعادة خلق حالة التوازن في المنطقة.
واذا كنا نوافق الدكتور المسفر برؤياه حول دورخليجي اكبر لابقاء الاردن على قدميه ومساندته وبكل قوه لتمكينه من القيام بالاعباء والتحديات الصعبة التي يواجهها فان الجانب الاخر الذي اشار له المسفر ولم يفصح عنه هو مدى حاجة دول الخليج للابقاء على صمود الاردن وامنه واستقراره باعتباره مدخل الاستقرار والامن في دول الخليج ناهيكم عن الكفاءة التي يمتلكها بالتعامل مع الازمات وخاصة السياسية، وتجاربه في كبح جماح التطرف ومواجهة اهداف العصابات العقائدية والاقليمية والتكفيرية..الخ.
اما الجانب الثاني الذي لا بد وان نؤكده للدكتور المسفر رغم قناعتي الاكيده بانه على دراية كافية به هو ثبات المواقف الاردنية تجاه الاولويات القومية ومصالحها واتسام سياسته بالواقعية والثبات المرن المتوازن وعقلانية التفكير الذي لا يقطع شعرة معاوية مع احد خاصة واننا دولة فقيرة الموارد والامكانات ونؤدي دورا يفوق كل التوقعات وسط تحمل وصبر شعبي لا يمكن ان تجده في اي دولة في العالم. فالموقف الاردني تجاه قوميته مسألة لا نقاش فيها ولا جدل باعتبارها حقيقة ثابتة، لكن لعبة السياسة تتطلب دائما ان تعرف لغة من حولك وتفهم اتجاهات غيرك خاصة الذين يشكلون ارقاما صعبه في خارطة المنطقة وان ترمقه عن كثب وتدرك مغازيه ونواياه عن قرب بالحوار والنقاش المباشر، كذلك تنويع الخيارات التي من شانها اعطاء الاردن دورا ومعرفة في اي لعبة سياسية تطبخ للشرق الاوسط الجديد.
لم نذهب لايران للارتماء بالاحضان لا قدر الله ولا الاستعطاف او كسب ورقة ضغط جديدة للابتزاز كما تفعل الكثير من الدول, بل جاء للاطلاع على المواقف وبيان الاراء وردات الفعل وبنفس الوقت ايصال رسالة اقليمية دوليه مسعاها مصلحة المنطقة والدين الاسلامي الحنيف. خاصة وان الايرانيين كانوا من اكثر المعجبين بالتوجه والسلوك الاردني في الدفاع عن الدين ورسالة الحق والعدل والوسطية.
الخليج يدرك تماما ان فتح الخطوط مع ايران وعلى المستوى السياحي سيدر دخلا ماليا كبيرا للاردن نحن بامس الحاجة له، والخليجيون يدركون ايضا ان رغبة ايران بان تكون الاردن احدى بواباتها ومدخلها في كثير من استراتيجياتها السياسية والعسكرية مطمع ما بعده مطمع يدفعون من اجله نفط ايران كله، ويعلمون اخوتنا بالخليج ايضا ان لعبة التحالف الاقليمي الذي يتشكل ويلعب الاردن فيه دور المحرك والمخطط والمنظم يمثل لايران هاجسا جديدا في مسالة التوازن في الاقليم، وان اخراج الاردن وباي ثمن كان يعني فشل تطويق ايران من تحقيق ما اطلقناه سابقا بحلم الهلال الشيعي الذي يتبلور يوما بعد يوم.
التحذير الدقيق الذي اطلقه استاذ متخصص - في السياسة ومطل بدقة على المشهد الاقليمي ومتعمق في المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية بالمنطقة وخاصة الاردن - جاء بعد ان احس ان النفس العميق الذي منحه الاردن لكل الدول العربية المحيطة بتحمله واوضح به لكل من كان يعتقد ان المواقف تقاس بالمردود والمنافع والمصالح وجدنا انفسنا بالاردن اننا نتجاوز حد المعقول، وعلى المشكك النظر الى الاعداد الهائلة التي نستقبلها ونأويها ونحميها وعلى حساب المواطن الاردني حاضره ومستقبل ابنائه..
لسنا بحاجة لمنة او صدقة بل نحتاج الى التقدير والاحساس بحجم المسؤولية التي نقوم بها وبنفس الوقت تقدير المصائب التي ستحل بالمنطقة لو تخلى الاردن عن هذه المسؤولية.
المسالة ليست بالدولارات بمقدار ماهي بالمواقف العربية التي يجب ان تكون اكثر تقديرية وواقعية وهذا ما نتطلع اليه في القمة القادمة. نعم نضجت التجربة الاردنية وادركها العالم الغربي وقدرها وتعامل معها على الاقل سياسيا فلماذا يصر العرب دائما على أسلوب الفزعة المتواضعة؟.
نحن اقرب للامة من نفسها لاننا نسير على نهج الوحدة والهدف السامي لها وندفع ثمن ذلك. القضية ليست مليارا او مليارين كما فعلوا مع الشقيقة مصر التي نتمنى لها دوام الاستقرار والازدهار؟ المسألة في الاولويات وتقدير هذا الصبر الكبير للاردنيين.