لم استطع ازالتها من مخيلتي رغم كل مساحيق النسيان، عنيدة وقوية وداكنة مثل نقطة دم قديمة على ثوب رضيع، صورة ذلك الطفل الداعشي الذي يحمل بيده مسدساً ويصوّبه برأس رهينة ويقتله.. عينان جميلتان حادتان مناسبتان جداً للتحدي في اللعب؛ للمبارزة في سيف من بلاستيك ، في مباراة كرة قدم ، في «بلاي ستيشن» لا في لعبة الموت والحياة..
ترى كيف نجحوا في استئصال البراءة من طبع هذا الطفل دون ان يموت بين ايديهم ، او ترف جفونهم، كيف تم تذويب العاطفة، الخوف، الرجفة، الرحمة، الدمعة، الخليط الطفولي الساكن في صوته الناعم ووجهه الرقيق كورق الورد.. وصب مكانها الرصاص والدم والديناميت والانتقام..
تخيلوا لو ان هذا الطفل الجميل يذهب كل صباح الى مدرسته ككل أطفال الدنيا، يلعب مع رفاقه، يعود ليحل واجباته، على دفاتره «طوابع» ملونة ، وفي حقيبته اوراق امتحان وعلامات كاملة، يمارس اللعب في الحارة مع ابناء الجيران، يسجل هدفاً ويسقط ارضاَ ، يجري خلف من دفعه و يضحك، آخر النهار يخفي بنطاله المتسخّ عن والدته ، يتناول وجبته المفضلة، ثم ينام ببيت دافئ وبحضن دافئ يحلم بأبطال الكرتون الذين يشاهدهم كل مساء..
بالمناسبة.. كيف ينظر هذا «الداعشي» الصغير الى «سبونج بوب» في هذه اللحظة.. كافر زنديق يجب قتله!.. كيف ينظر الى «مستر سلطع»؟ من الصحوات او من الحلف الصليبي؟ وماذا عن «النمر الضخم الواقعي الطائر» هل هو الآخر مرتدّ موالٍ للتحالف؟.. وهل يفكّر بإقامة الحدّ على «باربي» بسبب اشاعة الفاحشة بين الاطفال!..وهل يعتبر المحقق «كاجيت» انه عميل مزدوج للأف بي آي.. كما هل سيظهر نفس الطفل بشريط مصوّر قريباً يطالب فيه بالافراج عن «فلّة» من سجون غوانتنامو ولا يعدم الرهينة الياباني.. ثم ما ذنب هذا الطفل الصغير أن يحرم من الاهتمام بساعة «بن تن».. ليهتم بساعة «ابو بكر البغدادي».. ما ذنبه ان تتبدّل مفرداته وصداقاته من «توم وجيري» و«السنافر».. و«ميكي ماوس»..و«النمر الوردي» و «ماوكلي» و«كابتن ماجد».. الى شخصيات يتعرف عليها للمرة الأولى أمثال: «ابو قتادة الشيشاني» «ابو حمزة الزرقاوي».. «ابو دجانة الصومالي».. «ابو براءة الاسترالي».. «ابو ذرّ الشيكاغواي»..
احلموا بدولتكم كما شئتم.. ناهضوا الأنظمة كما شئتم.. كفّروا من شئتم.. احتلوا ما شئتم، حطموا ما شئتم، لكن اتركوا الطفولة وشأنها.. الطفولة ليست عبوة ناسفة، تفجرونها لتعيشوا..
لا تلبسوا العصافير «فوتيك العسكرة».. العصافير ان ارتدت غير ريشها تموت.. الرأي