الإخوان المسلمون .. «ويؤثرون على أنفسهم»
بلال حسن التل
18-03-2015 12:20 PM
قدر لي ان انشأ في بيت كان يختلف اليه رموز العمل الاسلامي عموما، والاخوان المسلمون على وجه الخصوص، من داخل الاردن ومن خارجه، وفي الذاكرة، عصام العطار، و حسن هويدي نائب المرشد العام الأسبق في التنظيم الدولي، والشيخ فيصل المولوي الامين العام للجماعة الاسلامية في لبنان، وعبد البديع صقر، وعبد العزيز كامل، وكمال الهلباوي، وعدنان النحوي، وسالم البهنساوي، ومحمد كمال مسؤول اخوان مصر في الكويت، وعبد الحليم خفاجي، وسمير الهضيبي، واحمد رائف، ومحفوظ نحناح، وصولا الى الشيخ محمد الغزالي، واللواء صلاح شادي نائب المرشد العام الأسبق، الذي ربطتني به علاقة خاصة، هؤلاء هم ممن رأيتهم واستمعت اليهم في منزل ابي او مكتبه، من رموز العمل الاسلامي خارج الاردن، مثلما تواصلت فيما بعد مع سماحة الاستاذ محمد حامد ابو النصر، عندما كان مرشداً عاماً يدير امور الجماعة من شقته في المنيل بالقاهرة.
وتحاورت وتجادلت مع الاستاذ مأمون الهضيبي في منزله بمصر الجديدة، عندما كان نائباً للمرشد، ثم مرشداًعاماً، مثلما تواصلت خارج الاردن مع الاستاذ ابو الاعلى المودودي في باكستان والمئات من رموز العمل الاسلامي في انحاء مختلفة من العالم.
أما من داخل الاردن فالقائمة تطول، ابتداء من الحاج عبد اللطيف ابو قورة اول مراقب عام للاخوان المسلمين في الاردن، وكذلك ابراهيم منكو، احد الذين وقعوا على طلب ترخيص الجماعة، واعضاء هيئتها التأسيسية في الاردن، وكذلك ممدوح الصرايرة، وممدوح كركر، وعبد القادر العمري، ومنصور الحياري، وعزت العزيزي، وسليمان عربيات، وحسين حياصات، والدكتور علي العمري، والدكتور عبد الرزاق طبيشات، وفخري صويلح، واحمد الكوفحي، وعبدالرحيم العكور، وكامل العمري.. والخ، ممن كانوا يتحاورون في منزلنا او مكاتبنا دون أن انسى الاستاذ محمد عبد الرحمن خليفة «ابو ماجد» وجلساته الطويلة في مكاتب اللواء، ومناكفاتي الدائمة له. وقبل هؤلاء جميعاً، محمد سعدالدين خليفة قائد جوالة الاخوان المسلمين في الاردن، الذي اعتذر عن قبول منصب المراقب العام للجماعة خلفاً للحاج عبد اللطيف ابو قورة، حتى لا تؤتى الجماعة من قبله، فقد كان الرجل يعمل في بنك، مما ظن انه سيكون سبباً للطعن في الجماعة من خصومها، فآثر سمعة الجماعة على نفسه.
هذه الصلة وهذا التواصل يسمحان لي بان اقول كلمة حول هذا الذي يجري داخل صف جماعة الاخوان المسلمين ومن عند الايثار، واحب ان ابدأ لأقول:إن من أهم صفات المسلم، انة يؤثر غيره على نفسه أمتثالاً لقوله تعالى «ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة»(الحشر:9) وعندي ان من اسباب ازمة الاخوان المسلمين الحالية في الاردن، أن صفة الإيثار قد غابت عن ابنائها في سنواتها الاخيرة، فوقع الذي وقع مما نشهده من صراع، صار حديث المجالس وعناوين الصحف، وهو صراع ليس وليد اليوم او الامس القريب، لكنه يمتد الى سنوات كانت خلالها بذرة الصراع تنمو وتكبر، فيما كانت الجماعة تنكر وجودها، وتحاول تفسير ما يجري بتفاسير كثيرة، لا تقترب من الحقيقة في شيء، فالأمر لم يكن تعددية في الاراء تدل على شورى، كما كانت اوساط الجماعة تفسر الصراع في صفوفها، ولكنه كان تبايناً واضحاً في المواقف السياسية، التي زادتها الأيام حدة حوّل التباين الى صراع.
إن كل من يحلل مشاهد الازمة التي تعصف بالجماعة منذ سنوات سيجد بدون عناء ان ازمتها سياسية، وان الخلاف بين اجنحتها في معظمه حول الموقف السياسي، لأن الخطاب السياسي تغول على الخطاب الدعوي في برامج واهتمامات الجماعة، وهو الامر الذي اوصلها الى هذه النتيجة الحتمية، فعندما تأخر الخطاب الدعوي في سلم اهتمامات الجماعة تعزز غياب «خلق الإيثار»، وبذلك فقدت الجماعة اثنتين من اهم خصائصها، اولهما اولوية الدعوة، وثانيهما خلق الإيثار، وعندما تفقد جماعة مثل جماعة الاخوان المسلمين خاصيتين اساسيتين من الخصائص التي تميزها، فعليها أن تتوقع ان تتلوث بكل لوثات العمل السياسي الدنيوي غير الخالص لوجه الله، ذلك انه بغير هاتين الخاصيتين ينسى الرجال قاعدة «طالب الولاية لا يولى»وينسون ما كانوا يقرأونه عن تاريخ اسلافنا، وكيف كان يفر»التقاة» من الإمامة والفتوى، حتى لا يتحملوا وزر اناس إن قادوهم واخطأوا، على العكس من ذلك يحتدم الصراع على كراسي الصف الاول والتمسك بها، وهذه عين أمراض المجتمع التي جاءت الجماعة لمعالجتها، فاذا ابناؤها يصابون بها بفعل غياب روح الإيثار، وغلبة السياسي على الدعوي عند هؤلاء الابناء، الذين لم يكتفوا بالانقلاب على مفاهيم دينهم واولها «الإيثار» بل اهملوا أهم اركان جماعتهم وفلسفتها وهي «الدعوة». ولذلك كان من السهل عليهم الانقلاب على التقاليد التي ارساها الاوائل من بناة الدعوة الذين حملوها على اكتافهم ليبلغوها للناس، ولقد رأيت بأم عيني كيف كان الواحد منهم يجل اخاه ويحترمه حد تقبيل اليد، ويؤثره على نفسه في كل شيء ناهيك عن.. الفرار من المنافسة على المواقع القيادية، والتسابق الى رفع الاذان لا «للأئمة» فقد كان همهم دعوة الناس لا قيادتهم، ورحم الله صلاح شادي الذي لخص لي خلاصة تجربتة في جماعة الاخوان المسلمين بقوله: «كنا نحمل الدعوة الي الناس، فصارت الدعوة تحملنا الي الناس».
وعندي، إن هذه الخلاصة من اسباب ازمة الاخوان في الاردن، فقد سقطوا في ابتلاء النعمة، فصار التنافس على المقاعد القيادية في الجماعة، وعلى احتلال مقعد في قوائم ترشيحاتها للنيابة وغير النيابة من المواقع التي تحمل اصحابها الى الناس من اسباب الخلاف، الذي وصل الى الطلاق الذي نرجو أن لايبين بينونة كبرى.
"الراي"
Bilal.tall@yahoo.com