الحرب على الإرهاب .. أسيرون في ما نطرح لا أصيلون
اسعد العزوني
17-03-2015 03:47 PM
ها هم ينجحون وبإمتياز ، بحرفنا عن جادة الصواب ، وعن الهدف الحقيقي لتحقيق كرامتنا المهدورة ، ويجرفوننا إلى مواقعهم ومواقفهم ،تماما كما يفعل شلال الماء الجارف المنحدر من القمة إلى القاع عاموديا.
الغريب في الأمر أننا نسير معهم ونحن مصدقين لدعواتهم ، وننسق ونتحالف معهم ، ونحقق أمانيهم ورغباتهم ، ولا نحس بسكاكينهم المثلومة وهي تجز رقابنا الواحد تلو الآخر.
ما أعنيه هو أنهم ضحكوا علينا ، وأوهمونا – ونحن راضون بطبيعة الحال – بأن هناك إرهابا إسلاميا عربيا ، يجب القضاء عليه ، ولم يذكر فينا أحد ما قاله الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون أنه لم ير أعدل من الفاتحين العرب.
وهام هم يجيشون الجيوش الغربية ومعها بعض العرب ، وضرورة أن يكون التمويل طبعا عربيا ، وذلك لإثبات مقولة الثعلب اليهودي الألماني الأمريكي الماكر "العزيز "هنري كيسنجر ، الذي قال يوما أن الرب وضع ثروته في أيدي من لا يستحقونها ، وهم نحن العرب بطبيعة الحال.
ها نحن الآن ، وبإرادتنا قبلنا التعايش مع "مستعمرة " إسرائيل الإرهابية بإمتياز ، وقد جنحنا ل "الإستسلام "معها ، ووقعنا المعاهدات والإتفاقيات سرا وعلانية ، ورقصنا معها تحت الطاولة قبل أن نرقص علانية فوق الطاولة، ونقوم بالتطبيع السياسي والثقافي والإقتصادي معها ، وآخر مهزلة قيام غزة التي تحولت إلى ركام بسبب العدوانات الإسرائيلية المستمرة عليها ،بتصدير الخضار والفواكه لها ، بمناسبة أعيادها التي لا يزرعون فيها رغبة منهم في منح الأرض راحة ، وكذلك الأردن، علما أن هناك جهات غربية في إزدياد ومعهم بعض يهود ، يدعون لمقاطعة إسرائيل أكاديميا وإقتصاديا وثقافيا ، إحتجاجا على إرهابها المتأجج ضد الشعب الفلسطيني.
هذا هو الإنحراف الطوعي الكامل عن جادة الصواب ، وعليه فإن التهمة الموجهة لهؤلاء المنحرفين ، ليست جزافا ولا تحتاج لبطون كتب في القانون الدولي ، ولا حتى محامين جهابذة وقضاة عتل ، بل يحسمها محام متدرب مبدئي وقاض شجاع غير مرتش منذ الجلسة الأولى.
ها نحن الآن عرب عاربة ومستعربة ، نكرس كل مقدراتنا وطاقاتنا للحرب على ما أنجبوه لنا سفاحا وأطلقوا عليه لقب الإرهاب ، دون أن نكلف أنفسنا عناء السؤال : ما هذا الإرهاب الذي جررنا إليه بعد جريمة إنهيار البرجين والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق؟ حتى أننا لم نصدق وعي الشعب الأمريكي الذي إستيقظ على حقيقة ما جرى في ذلك اليوم ، بعد طول صدمة أريد له أن يعاني منها لتمرير الأجندة الصهيوينة.
لقد إكتشف الشعب الأمريكي بعد أن دفع الثمن ، أن الصهاينة واليمين الأمريكي هم الذين نفذوا تلك الجريمة الإرهابية ، لتحقيق حزمة أهداف من ضمنها إجبار أمريكا على الإبتعاد عن ممارسة الضغوط على إسرائيل ، لإيجاد حل ما للقضية الفلسطينية ، وتعميق الخلاف بين العرب والمسلمين وبين أمريكا .
لو أننا أعملنا العقل قليلا ، لحسمنا أمورنا منذ البداية ،وحددنا طريقنا وأجبرنا الآخر على تعريف الإرهاب على الأقل ، وواجهناه بممارسات ربيبته "مستعمرة "إسرائيل الإسبرطية ، لا الإنجرار إلى رغباتهم وتحقيق أهدافهم عن طريق خراب بيوتنا بأيدينا.
لم يعد لدينا مقومات النهوض لمعرفة الحقائق ، فلا المثقفون عندنا باتوا مثقفين ، يكرسون أنفسهم من أجل شعوبهم وأوطانهم ، ولا العلماء نذروا أنفسهم لله ودينه الحنيف ، ولا حتى الحكام يعرفون معنى :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ناهيك عن تاريخنا الذي لم يعد لنا علاقة به ، ولا علاقة له بنا ،لأن من كتبه هم مؤرخو السلاطين ، كما أن إعلامنا لم يعد حرا ، بل أصبح موجها بتعليمات مركز الضغط اليهودي الموسادي في واشنطن "ميمري "، الذي يهدد الدول العربية بقطع المساعدات الأمريكية عنها في حال لم تردع الأحرار والشرفاء فيها.
كما قلت ها نحن نقح ونسعل ونعطس ونتثاءب وننام ونحلم بالإرهاب الذي فصلوه على مقاس عقولنا الطيعة ، وأمانينا الضيقة وأهدافنا العرجاء ، لأننا لم نقف أمام الآخر وقفة رجل واحد ، بل كرسنا نهج ومنهج ملوك الطوائف ، الذين يستنجد الواحد فيهم بالأجنبي ضد أخيه .
وها نحن نشهد أحلافا عربية ودولا عربية رسمت نفسها :جنديا للإيجار ، ضد دول عربية أخرى ،علما أن أصحاب الأحلاف والقوات الخاصة لم يصمدوا في وجه "مستعمرة "إسرائيل ، بل سلموا الأرض تسليما ، وأن هؤلاء المتحالفين على الضلال ، سلموا بيوضهم لإسرائيل ، ظنا منهم أنها طريق الرضا لواشنطن التي تثبت وتزيل الحكام.
ما نراه اليوم هو أن نبوءات تحققت ، وقيلت على ألسنة أمريكيين أنهم سيخلقون لنا إسلاما جديدا ، وسيجعلوننا نقتل أنفسنا بأنفسنا ، وأطلقوا على ذلك "الفوضى الخلاقة "، مع ان ما يجري هو "العمى الخلاق "،وذلك بعد أن فشلت أمريكا في تقسيم الشرق الأوسط بعد إحتلالها للعراق ، على إثر إنطلاقة المقاومة العراقية المفاجئة والسريعة وغير المتوفعة حسب تقارير المخابرات الأمريكية.
الإرهاب أصله صهيو – أمريكي، بدأ في أفغانستان بتحالف الإسلام السياسي مع الإمبريالية الأمريكية ،ضد الإتحاد السوفييتي "الشيوعي الملحد "، حيث قام المال العربي المطعم بالفكر الإسلامي المفصل حسب القصة الأمريكية ، بتأسيس تنظيم القاعدة الذي شكل ضربة قاصمة لنا ، وكانت أشد أثرا وتأثيرا من الحرب العراقية – الإيرانية التي تمنينا لو أنها لم تقع .
كانت القاعدة هي حصان طروادة الذي دخلت أمريكا إلينا رسميا من خلاله ، وكانت فاتحة أبواب الدول العربية والإسلامية وحتى بعض المساحات الإفريقية أمام التدخل الأمريكي- الغربي ، وها نحن نعيش مرحلة أشد قتامة من مرحلة القاعدة الأمريكية المنشأ والأهداف .
هذه المرحلة هي مرحلة كسر العظم ، وهي مرحلة الخوارج الجدد الذين يطلق عليهم داعش ، الذي يشكل الطبعة الصهيو أمريكية – غربية للإسلام الجديد الذي توعدونا به ، لإدخالنا في مرحلة الشرق الأوسط الوسيع أو الكبير أو الجديد ، لا فرق .
من ينظر إلى تداعيات ظهور داعش وطريقة تمدده وبؤس أدائه ، يجد أن الصهيونية والغرب وجدوا أنفسهم في مأزق ، لأن المشروع الصهيوين بدأ يحتضر ، وسيضطر الغرب من جديد إلى قبول يهود الفاسدين المفسدين .