إن الكثير من الناس يجهل فكرة الدعم النفسي لما بعد وفاة ذوي القربى سواء الام او الاب او الاخ والاخت او الزوج والزوجة وحتى الصديق ، لما لهذه الصدمة بعد تلقي خبر الوفاة من صعقة على اصحابها ، ومن هول المفاجاة والحزن يؤدي الى الاصابة بالاكتئاب وحالة عدم تصديق الخبر ، وان المتوفي قد ذهب في رحلة وسيعود يوما ما .

وعلى الرغم من صعوبة الموقف ولما لهذا الشخص المتوفي من اهمية في حياتنا على كافة الاصعدة الاجتماعية والنفسية والمادية ، وان القناعة بإن الموت حق، هو امر ثابت من ثوابت الحياة، ولكل اجل كتاب ومهما عمَّر الانسان في هذه الدنيا فانه راحل لا محاله وذلك تاكيداً لقوله تعالى ( فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ( ، ويبدأ الاختلاط بالمشاعر التي تصيب كلاً منا عندما يتعرض لموقف موت عزيز عليه، ولاشك ان للثقافة والدين والاعراف الاجتماعية دوراً مهماً جداً في تحديد الطقوس الجنائزية وهذا بالتالي ينعكس على المشاعر النفسية لاهل المتوفي .

وان طبيعة مجتمعنا يقف دوماً بجانب اهل المتوفي في الفترة الاولى من حالة الوفاة سواء بالمشاركة بالدفن وتقديم ولائم الطعام والمشاركة بالعزاء وهي من العادات المحببة والرائعة في مجتمعنا وهو تاكيد لقول رسول الله عليه السلام (عن أبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ : "مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلي عليهَا وَيفرغ من دفنِها فَإِنَّهُ يَرْجِعُ (مِنَ الأَجْرِ) بِقِيراطَيْنِ كُلُّ قِيراطٍ مِثْلُ جَبَلِ أَحَدٍ، وَمَنْ صَلَّى عليهَا ثم رجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بقِيراطٍ". رَوَاه البخاريُّ.

وإن مقدار تلقي الصدمة من خبر الوفاة تختلف من شخص لآخر، حسب التكوين النفسي والشخصي للانسان، فهناك من يتأثر بشكل كبير جداً، يصل الى درجة الانهيار، بينما اخر يكون تأثير الوفاة عليه بسيطاً، رغم الاشتراك المتساوي في درجة القرابة..! فبعض الاشخاص يصل الحزن في وفاة قريب له الى درجة انه يصبح مكتئباً (اي تنطبق عليه اعراض الاكتئاب المرضي)، وقد يحتاج لعلاج نفسي ومراجعة المختصين للتخفيف عليه من التاثير النفسي الذي رافقه بعد وقوع حالة الوفاة ؟!

وتكون حالة الحزن الشديد والشعور بالفراق يظهر كسلوك بعد فترة من انتهاء حضور ودعم الناس لاهل المتوفي ، وخلال هذه المرحلة يشعر الشخص القريب من الفقيد بالحزن، وعدم الرغبة في الحياة، والزهد فيما حوله، والبعد عن الاشياء التي كان يستمتع بها من قبل. ثمة أوقات يشتد الحزن بصورة كبيرة نتيجة ان هناك أماكن أو أحداثا تذكر بالفقيد مما يجعل الحزن يتفاقم إلى درجة انه في أوقات معينة قد يصبح اكتئاباً. وأحياناً يكون الاكتئاب شديدا، يؤثر على حياة الفرد بشكل واضح. فيؤثر على حياته الاجتماعية والعلمية. فيبدأ الشخص في التغيب عن العمل، ويقل تركيزه، وينعزل اجتماعياً. عندئذ يصبح التدخل للعلاج أمرا ضروريا وهاما.

ولهذا فان على الاصدقاء والاقارب وحتى زملاء العمل ان يكونوا قريبين من هذا الشخص ودعمه نفسياَ ومعنوياً لتجاوز هذه الازمة بسلام ، وحتى لا تزداد الخسائر لديه على الجانب المهني والوظيفي والاجتماعي ويتم تجاوز هذه المرحلة للعودة الى حياته الطبيعية كالسابق .
bsakarneh@yahoo.com