توقفت في طريقي قرب بيتي لألتقط أنفاسي ، وصدف أن كان توقفي عند عمود إنارة ، ولفت نظري عدد كبير من بقايا حبال بلاستيكية تتدلى من أعالي العمود ، وكانت ألوانها متعددة ، وبعضها غيبت ألوانها العوامل الجوية من أشعة الشمس والمطر . والحبال هي ما كانت تُشد به لافتات انتخابية إلى عمود آخر مقابل.
تعود الحبال إلى فترة زمنية تعاقبت على الحيّ نحو 22 عاما هي عمر الحي السكني . وعادت بي الذاكرة إلى الوراء ، وجالت في عدد الجولات الانتخابية لمجلس النواب ولمجلس أمانة العاصمة ، وكم حملت هذه الحبال من لافتات حملت بدورها وعودا براقة تدعو الناخب الكريم لانتخاب فلان لمجلس منهما ، ولاحظت طوال السنين الماضية أن بعض اللافتات كان لا يُعمر سوى سويعات لا أكثر ، إذ كان ينقض عليه ليلا " زلم " و صبية مرشح آخر ، ويرفعون عوضا عنها لافتات من يعملون بخدمته ، كما تكفلت الرياح الشديدة ، إضافة لسوء تثبيت بعض اللافتات بالإطاحة بعدد آخر من اللافتات في حينه .
انقضى موسم انتخابات مجلس النواب ومجلس الأمانة ، وفاز من فاز ، وأخفق من أخفق ، ولحق الموسم بالمواسم الماضية المشابهة ، وبقيت لافتات مدة من الزمن ، لافتات تركها من فاز كمؤشر على فوزه ، ولافتات تركها من أخفق إذ لم يرغب بإنفاق المزيد على حملة انتخابية حُسمت لصالح غيره .
كم من وعود رفعها هذا العمود ؟ وكم من هذه الوعود تحقق ؟ وكم أنفق المرشحون عليها ؟ وهل عَوّض من فاز ما أنفق من مال ؟ وهل سيعود للترشح من أخفق ويعلق لافتاته من جديد ؟ وكأني أسمع أنـّات وتأوهات العمود من ثقل ما حمل واحتمل من وعود بقيت مكانها ، ولم تنتقل إلى واقع حيث يجب أن تكون ، بل وأظن أن معظم هذه الوعود بقيت في منطقة العمود ، أو طارت هباء منثورا .
haniazizi@yahoo.com