ينعقد في عمان هذه اﻷيام المؤتمر العالمي للوسطية. ولا أدري إن كان اختيار عمان هو حسب جدول زمني دوري أم أنه شرف اختص الله اﻷردن فيه. وعلى العموم سواء كان هذا الرأي أو ذاك فهو خير وتشريف للأردن راعي الوسطية اﻷول في العالم الإسلامي. كيف لا وهو صاحب رسالة عمان الشهيرة ومحتضن مؤسسة آل البيت اﻷطهار.
ينعقد هذا المؤتمر في ظروف استثنائية فعلاً وقولاً، وليس كباقي المؤتمرات السابقة. فقد وصل البلل إلى لحانا (جمع لحية) كما نقول في الأردن، بخلاف السابق من المؤتمرات عندما كان الصراع المفترض يدور بين جماعات إسلامية وجهات أخرى كانت تُصنف على أنها غير إسلامية أو أنها تحتل بلاداً إسلامية. وكانت هذه الجماعات تحظى بدعم بعض الدول الإسلامية بشكل مباشر أو غير مباشر بأن تغض الطرف عنها دول أخرى حتى ﻻ تُتهم بمعاداة الإسلام.
هذه المرة جاءنا هؤلاء كاشفي الوجوه والنوايا إلى عقر دارنا فاستباحوا الأعراض وقتلوا البشر وقطعوا الشجر وحرقوا الحجر.
وربما كان اﻷردن أول الدول الإسلامية والعربية التي أعلنت هذه الجماعات أنها خوارج، وتبعها بعد ذلك آخرون بعد أن كانوا يدينون أفعالها فقط على استحياء، ولا يدينونها كجماعة. لهذا يأتي المؤتمر مؤتمراً استثنائياً، وعليه الكثير من الواجبات، وتتوقع الشعوب منه الكثير لإظهار الإسلام بوجهه المشرف كما نتحدث عنه بوسائل الإعلام لا كما يراه الآخرون برؤوس مقطوعة وأناس مشردين.
لهذا أرى أن يأخذ المؤتمر بأفكار يتم تداولها بين الناس أو ببعضها حتى يخرج من الإطار التقليدي للمؤتمرات. و أول هذه النقاط هي وجوب وضع خطة عمل إجرائية للالتزام والعمل بها بين الدول الأعضاء، مع وجود ما يشبه الميثاق بين الدول الأعضاء للالتزام بها وتنفيذها. فيكون مؤتمرَ عملٍ وليس مؤتمر تنظير فقط.
ثانيا : يجب أن يكون هناك رأي صريح بهذه الجماعات التي تدعي الإسلام وهي تنفذ أجندة أعدائه؛ فيصدر بيان رسمي من المؤتمر بشأنها فلا نبقى نتأرجح بخجلٍ بين هل هي إسلامية أم أنها خوارج هذا العصر. لقد كان هؤلاء العلماء الأفاضل من الحضور الكريم سواء من حضر المؤتمر أم لم يحضر يدينون كل أعمال العنف والقتل؛ ولهذا يجب أن يكون الرأي صريحاً بمن ينفذ هذه السياسات؛ وهذه الأيام هي الوقت المناسب للقول الفصل بشأنهم، فلا مجال للتردد أو الخوف من قبل علماء المسلمين.
ثالثاً: وهو الجزء الأهم في كل الخطط العمل على رسم السياسات للدول لتجفيف متابع الإرهاب باسم الدين، وتحديد الطرق الواجب اتباعها من قرارات جريئة لمراجعة المناهج الدينية بالمدارس وخاصة في المواضيع الجدلية. فلا نفترض لطالب المدرسة أن يخرج صاحب مدرسة فقهية اختلف فيها كبار العلماء وهو في مرحلة الدراسة المدرسية.
ومنها أيضاً ضبط هذا السيل الجارف من الإعلام الذي لا يهمه إلا البزنس؛ ومنها أيضا العمل على تأهيل الشيوخ الخطباء بالمساجد بما يجب عليهم فعله تجاه الأجيال والأوطان.
بصراحة بدون توصيات فعلية تتبناها الدول سيبقى كل ما يقال في هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات حبراً على ورق. إن التوقعات سقفها عال جداً من هذا المؤتمر والآمال كبيرة، ولهذا فإن مهمته عسيرة، وكان الله بعونه.
أهلاً وسهلاً بالعلماء الأفاضل في بيتهم الأردن ولنحمد الله أنه مازال في هذه البقعة من العالم مكان يمكن أن يجتمع فيه العلماء ليقولوا كلمة الحق.