في قاموس المعارضة، هي ثورة تدخل عامها الخامس. وفي مفهوم النظام وأنصاره، هي مواجهة مصيرية مع الإرهابيين وأعوان الصهيونية والإمبريالية.
أربع سنوات ولم يتزحزح الطرفان عن روايتيهما. تكبر المأساة، ومعها أرقام الضحايا؛ قتلى وجرحى، وملايين المشردين والمفقودين والجوعى. وبلاد ثلثها تحت سيطرة النظام، وثلثها الثاني في قبضة "داعش"، وثلثها الثالث ممزق بين الفصائل المسلحة.
مع نهاية العام الثاني للأزمة، بدا جليا لكل الأطراف استحالة الحسم العسكري. لكن الكارثة أن السوريين على الطرفين فقدوا زمام المبادرة. لم يعد بمقدور النظام أن يتخذ قرار وقف الحرب، فقد أصبحت حربهم أولا وأخيرا؛ حرب يخوضها الإيرانيون والروس في إطار لعبة الأمم وصراعها على اقتسام النفوذ.
المعارضة "أجرت" الثورة مبكرا. أصبحت اليد الطولى فيها للتركي والخليجي. الأميركي ساوم كثيرا، لكنه لم يغامر بماله وسلاحه، مثلما فعل خليجيون وأتراك، وبعض الأوروبيين. الاستثمار الوحيد الذي حقق عائدا فاق التوقعات، كان تنظيم "داعش"؛ بفضل "الثورة" تحول إلى دولة، "باقية وتتمدد".
وبينما صار بوسع عشرات الآلاف من الشيشان والعرب والإيرانيين والغربيين القدوم إلى سورية والعيش فيها؛ مقاتلين إلى جانب النظام والمعارضة، كان على ملايين السوريين أن يهجروا مدنهم وبلداتهم وقراهم. تشردوا في كل بقاع الأرض، وقضى المئات منهم في البحار في رحلة الموت بحثا عن فرصة للحياة خلف "المتوسط".
كان السؤال فيما مضى من سنوات: متى تحين نهاية المأساة في سورية؟ المتحزبون للنظام وللمعارضة يتنافسون
على شاشات الفضائيات، وعلى صفحات الجرائد، نهاية كل عام من أعوام الثورة، على حشد الأدلة التي تدعم قناعتهم باقتراب يوم النصر. أنصار النظام وعدوا الشعب السوري مرارا وتكرارا بحسم المعركة، وكذلك فعل أتباع المعارضة.
مع دخول المأساة عامها الخامس، لم يجرؤ أحد منهم على قول كلمة واحدة عن النصر والحسم. المعارضة التي حلمت قبل ثلاث سنوات بفتح دمشق، صارت تقيم الاحتفالات إذا ما سيطر فصيل من فصائلها التي تعد بالمئات على ضيعة نائية في إدلب. والنظام يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا ما استعاد نفس الضيعة؛ مدمرة ومهجورة.
اللاعبون الدوليون والإقليميون يديرون في الخفاء صراعا شرسا على اقتسام النفوذ فيما بينهم، ويعقدون الصفقات لتسوية ملفات دولية كبرى، تاركين السوريين؛ نظاما ومعارضة، يتصارعون على الضيع البائسة، وقواطع الأمن والجيش على الطرقات البالية في الأرياف.
ثورة كانت أم مؤامرة، لم يعد مهما هذا الجدل العقيم؛ ففي الحالتين من يموت هو السوري، ومن يهجر وطنه هو السوري أيضا. والبلاد التي تحولت إلى حطام هي سورية؛ بلد المعارضين والموالين.
ألم يحن الوقت كي يتبدد وهم السوريين، ويفيقوا من غيبوبتهم؟
الأصدقاء والحلفاء يكذبون عليكم؛ لا يريدون نهاية لمأساتكم قبل أن يسوا خلافاتهم، وبعدها لن تجدوا من يسأل بكم.
صار لزاما على السوري المقاتل على الجبهات أن يقف ويفكر، لا بل ويلطم وجهه ندما؛ ماذا فعلنا ببلادنا وشعبنا؟ كيف نجح الأغبياء بجر "الشوام" الشطار إلى الفخ؟
المقاتلون في المعسكرين قادرون على فرض الحل. الحل بسيط؛ ألقوا بسلاحكم واخرجوا من الخنادق.
ليذهب النظام والمعارضة إلى الجحيم. المهم أن تعود سورية. هل تعود؟ الغد