خلال الأشهر القليلة الماضية، استمعنا إلى روايتين متضاربتين تماماً حول أحد أهم المشروعات الاستراتيجية المفترضة، التي يقدم عليها الأردن، ويفكّر فيها ويحلم بها المسؤولون منذ عقد تقريباً، ألا وهو مشروع "ناقل البحرين"!
للتذكير؛ ملخص فكرة مشروع ناقل البحرين تتمثّل في إنشاء خط مياه لنقل مياه البحر الأحمر (بطول حوالي 23 كم) إلى محطة التنقية والتحلية في العقبة، والتي ستكون طاقتها حوالي 65-85 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا، مع إمكانية زيادة قدرتها. وكذلك تنفيذ "خط ناقل" لتزويد العقبة بطول 22 كم، وخط آخر إلى الجانب الإسرائيلي بطول 4 كم، مع بناء محطتي رفع لضخ المياه الناتجة عن عملية التحلية من المحطة إلى أعلى مسار الخط في منطقة الريشة لتنساب المياه طبيعيا من هناك باتجاه البحر الميت، مع إمكانية إنشاء محطات لتوليد الطاقة باستخدام فرق المنسوب والبالغ حوالي 600 متر.
المشروع يطمح إلى أكثر من ذلك، لكن جرى تقسيمه إلى مراحل على مدى زمني طويل، بسبب كلفته الباهظة. ووفقاً للمرحلة الأولى، فستكون حصة الأردن 35 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنوياً، وإسرائيل 35 مليون متر مكعب، بينما سيأخذ الأردن 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه الصالحة للشرب من محطة طبريا، فيما ستأخذ السلطة الفلسطينية 30 مليون متر مكعب من هذه المياه، مقابل حصتها المتوقعة من "ناقل البحرين".
بالأمس، قرأنا بياناً للجنة مقاومة التطبيع تصف فيه المشروع بأنّه تطبيعي ويخدم إسرائيل بدرجة أولى، ويحمل تأثيرات بيئية سلبية جداً على حوض البحر الميت، بما يؤثر على خصائصه، ما قد يؤدي إلى تشكيل طبقة "جبصية" عليه، نتيجة خلط نوعين مختلفين من المياه معاً.
قبل ذلك، كانت أحزاب في المعارضة تعلن معارضتها للمشروع بوصفه تحقيقاً لنبوءة زعماء إسرائيل التاريخيين بإقامة مشروعات إقليمية تطبيعية، وبتغذية المستوطنات الإسرائيلية على البحر الميت بالمياه العذبة.
في المقابل، تصر الرواية الحكومية، التي يدافع عنها اليوم وزير المياه حازم الناصر، بأنّ هذا التوقيع على اتفاقية "ناقل البحرين" مع إسرائيل، والذي جرى خلال العام الحالي، هو مشروع وطني استراتيجي في غاية الأهمية، يساعد الأردن في ثلاثة جوانب أساسية وحيوية:
الأول، وهو الأكثر أهمية، يتمثل في مشكلة المياه، بل بعبارة أدقّ أحد أكبر التحديات الوجودية للمملكة. فنحن من أفقر الدول في العالم بالمياه. وبالرغم من أنّ مشروع الديسي يحلّ جزءاً مهماً من هذه المشكلة، إلاّ أنّه لا يمثّل حلاً جوهرياً، فهناك اليوم استنزاف هائل للمياه الجوفية، بما يفوق الكميات المفترضة سنوياً بنسبة كبيرة، ويهدد هذا المخزون المحدود أصلاً.
مشكلة المياه انعكست، خلال الأعوام الأخيرة، على الحياة اليومية، وأصبحت مصدراً للتوتر السياسي والأمني، ورعباً حقيقياً للمسؤولين، بخاصة مع فصل الصيف، وبروز الاحتجاجات الشديدة على انقطاعاتها المتكررة.
الجانب الثاني، هو منسوب مياه البحر الميت الذي ينخفض سنوياً، ما يهدد هذا المصدر المهم للاقتصاد الوطني، ومن ذلك شركة البوتاس، التي توفر دخلاً سنوياً كبيراً للموازنة، فضلاً عن البعد الطبيعي والبيئي الخطر.
الجانب الثالث، مرتبط بتوليد الطاقة التي تمثّل اليوم مصدراً أساسياً ومهماً من مصادر الأزمة المالية والاقتصادية الوطنية.
المفارقة أنّ أغلب هذه المشروعات الكبيرة تقع في دائرة "الشبهات" أو الاختلافات، وهي فيما لو كانت رواية الحكومة صحيحة، على النقيض من ذلك؛ تمثل مفاتيح مهمه للمستقبل. أليس غريباً، والحال كذلك، أننا إلى الآن لسنا متفقين سياسياً وشعبياً، فيما إذا كان مثل هذا المشروع بالفعل هو مشروعنا وحلمنا، أم مشروعهم وحلمهم؟! الغد