لم يعرف تاريخ البشرية أحدا يتعذب بذنوب غيره ، سوانا نحن في الاردن ، فقد بات مكتوبا علينا وضعيا لا قدرا ، أن ندفع اثمان نزوات غيرنا ، وحتى من قوت عيالنا وقدرات دولتنا على محدودية تلك القدرات ، ومع ذلك ، فنحن نتلقى القليل من الدعم ، والكثير الكثير من المدح والإشادة النظرية وحسب ، حتى لقد بتنا نستمرئ هذا الحال كما لو كان وظيفة لا يشغلها احد غيرنا .
لا حاجة بنا لاستعراض التاريخ ، لكننا فقط نذكر والذكرى تنفع المؤمنين ، أن بلدنا ذا القدرات المادية المحدودة ، وبالذات في اساسيات الحياة وهي الطاقة والمياه ، كان عليه وما زال ، ان يستوعب كل مخرجات الحروب التي شهدتها وتشهدها المنطقة على قسوة تلك المخرجات ، وأن يوفر للفارين بارواحهم واعراضهم من اهلنا العرب وسواهم ، متطلبات العيش الكريم ، من ماء وهواء وغذاء وتعليم وعمل وصحة وخدمات ، وعلى حساب قدراتنا ، ويعلم الله اننا بذلك سعداء لا أشقياء ، ولسبب بسيط ، هو ان الفارين هم من اهلنا العرب عموما ، وتأبى علينا اخلاقنا وديننا وموروثاتنا ، ان نتقاعس او نتردد في الجود من اجلهم ، بالموجود واكثر .
اليوم تتفاقم الالتزامات اكثر فاكثر ، وتشتد الحروب والنزوات والتطرف والمعارك الاهلية من حولنا ، وتتعاظم المتطلبات التي ترهق كاهل دولتنا وشعبنا ، ولا نجد غير الاشادة التي يطلقها زائرونا من. ممثلي الهيئات الدولية وسواها ، لا بل هناك من لا يتقي الله حتى في ذمنا وإتهامنا بالمتاجرة بالمصائب ، حتى وهو السبب والمسبب لها ، ويتعدى الامر ذلك وبلا ذرة حياء ، الى تهديدنا ، نحن الذين نتحمل وزر اخطاء وشطحات وحروب غيرنا .
لو كان هذا العالم يستحق حقا وصف عالم حر ، ولو بقي على وجه الارض قدر من عدل وقيمة ومبدأ، لما ترك الاردن وحيدا يواجه اقدار غيره من قوت شعبه ، ولو صدق الطامعون والطامحون الذين يتقاتلون اليوم على المكاسب والمناصب والرئاسات ، ولا يهمهم بشاعة القتل والدم وتشريد الشعوب باطفالها ونسائها وشيوخها وجرحاها والثكالى فيها ، لتوقفوا من فورهم عن مواصلة بطولاتهم الزائفة ، ولرحمونا ورحموا شعوبهم وإخوانهم في العروبة والدين ، هذا إن كانوا يؤمنون بشئ من هذا .
عناية الله فوق كل عناية ، وهي معنا في الاردن بإذنه ، وإلا لما كان بمقدورنا تحمل ما تحملنا ، والصبر على ما أصابنا بذنوب غيرنا لا بذنوبنا ، والله يعلم سبحانه ، أن ذنوبنا إن وجدت ، لا تساوي شيئا امام ذنوبهم بحقنا وحق شعوبهم ، لا بل وحق الانسانية بأسرها ، والمؤلم انهم يتفرجون علينا ونحن نقدم من قوتنا ومال دولتنا وقدرات بلدنا ، ولا يرف لاكثرهم جفن ، فلربما تصوره بعضهم واجبا وظيفيا نحوهم ، ولربما إستساغ بعضهم ظلمنا لصبرنا وحلمنا وحيائنا عن المنة على الاخ والشقيق ، والضيف حتى لو كان غريبا .
مواطنو الاردن وفق التقديرات يبلغ تعدادهم قرابة سبعة ملايين انسان ، والاردن اليوم يستضيف مثلهم تقريبا ، معظمهم لاجئون مشردون من حروب بلدانهم ، او اشقاء مقيمون ، وجميعهم اهل لا بل احبة عيوننا لهم ، لكننا نسأل ما يسمى بالعالم الحر ، ومنهم تجار الحروب الباحثون عن المغانم والمصالح على جماجم الاطفال ومعاناة الشعوب ، هل على الاردن ان ينوب عنكم وعن المجتمع الدولي كله ، في تحمل العذاب ودفع الاثمان لمصائب انتم سببها ومسببها ومحركها بحثا عن مصلحه ، هل من العدل والمروءة والانصاف ، ان يقتل ويتشرد ويجرح ويثكل ويتيتم ملايين العرب والمسلمين ، وانتم بهذا سعداء من اجل مصالحكم ، وأية مصالح تلك التي تتعارض بالكلية مع إرادة الله في خلقه سبحانه ، ولا حول ولا قوة ألا بالله ، وهو جلت قدرته من وراء القصد .