لا شك إن لكل زمان دولة ورجال، كما ورد في المثل، ولكن أي رجال لأي دولة، فإن كانت الدولة راتبة وعرضها يتسع لآلاف القوائم من الرجال الرجال الذين يصنفون بأنهم رجال دولة وشخصيات وطنية وأعلام مجتمع وقادة عسكريون وأبطال معارك لجيش باسل من رتبة جندي الى أعلى الرتب، فإن هناك رجالا لم يكن لهم أي واجب أو تضحية، أو بصمة قد تسعفهم ليعرفهم أكثر من دائرتهم العائلية، فلا تاريخ ولا إنجاز حاضرا، سوى موجة هاج بها الزمان وقذفتهم الى ساحل المواويل السياسية، حتى ظنوا أنفسهم بعد شوط من الهجاء الفارغ والاستعراض الحكواتي أنهم بناة دولة، أو أعمدة اقتصاد وطني أو أركان بيت القضاء أو رؤساء بحجم وزراء بمعية وصفي أو شيوخ بوزن ماجد.
منذ زمن ليبيا معمر القذافي حتى عراق معارك الرئيس صدام حسين رحمه الله، الى سوريا البعث القديم الجديد من الأسد الأب الى الإبن حتى حسن نصرالله فطهران فتل أبيب، يخرج علينا أشخاص من بين ظهورنا يذهبون الى العواصم والمكاتب الخاصة ليعلنوا الطاعة والولاء لحكام وزعامات طائفية ودول تقذفنا باتهاماتها الباطلة ودسائسها البغيضة فيما دماء شعوبها تقطر من سيوف حكامها وجيوشها ومليشياتها وعصابات أحزابها، فيقفون أمام أولئك الصغار بتصاغر ويتحدثون باسم الأردن، في الوقت الذي يرمون الدولة الأردنية باتهامات باطلة واتهامات كاذبة ويرفضون نظاما لا يسفك دما بريئا كما يفعل ممدوحوهم منذ عقدين مضيا.
في يوم من السنين الخوالي قلت للزملاء أننا وبكل بلاهة نصنع من البعض أبطالا من كلام ونمورا من ورق ونجوما زائفة لا تغدو عن كونها في أفضل حالاتها كقذائف الألعاب النارية صوت مزعج وألوان براقة تشد الناظر لها لثوان قليلة ثم تختفي في ظلام الليل، ومع بعض الموافقين ومعارضة البعض مرت السنوات سريعة لتقذف شخصيات سياسية وبرلمانية وأصوات إعلامية كما يقذف البحر زبدا زائفا على شواطئه لا يروي ظمأ عطشان ولا يريح تعباً، ثم تضخمت كرة البلاهة لتحيط بغالبية شريحة الرأي العام من البسطاء الذين ينبهرون ببعض الأصوات العالية ثم يصدقون تهريجها دون أن يعرفوا حقيقتها وغاياتها.
إن اللهث وراء النجومية وحب الظهور باتت قضية مقلقة خصوصا في الوسط السياسي، فمع مرور السنوات بعد «أسواق تنزيلات الربيع العربي» خرجت علينا شخصيات تتسلق المنابر في المناسبات والتظاهرات والاعتصامات التي تنفذ على أرصفة الشوارع، لتقدم نفسها كنجم الشباك في الأفلام الرخيصة، ما يؤشر للفوضى العارمة التي تحدث خلال الأزمات أو الأحداث المحلية التي تكرس مفهوم « الضحك على الذقون»، وأكثر من يحترفها هم أصحاب المصالح الخاصة أو الذين قذفهم القطار، فوجدوا في منصات الإعلام الجديد ترويجية غير استقصائية، يهمها النشر دون فهم أو سياسة صحفية، تماما كما رأينا لخشبة مسرح مجلس النواب كيف بات منصة سهلة لمسرحيات بعض «الممثلين الأوبراليين» الذين يستغلون الجلسات الهامة لإطلاق حناجرهم لتسجيل مواقف صوتية على حساب المواطن.
نحن أمام مشكلة في العقيدة الوطنية، فإن كنت معارضا للنظام أو الحكومات فلتعارض برأيك الصحيح وفكرك المستقيم وحجتك القوية داخل بلدك، لا أن تستقوي أو تقوي الخصوم المفترضين ضد وطنك ودولتك،وإن كنت مؤمنا بحق نظام أو تنظيم أو دولة خارجية فمن حقك أن تذهب الى هناك لتعلن ولاءك وطاعتك دون أن تطرح نفسك ممثلا عن وطنك مهما كان شخصك أو شخصيتك ورتبتك، ومن العار أن تسمح لمن صنع ورعى ودعم الإرهاب وقتل الأبرياء وحشد المليشيات الطائفية، أن يسهب في كيل التهم لبلدك بأنه مصدر الإرهاب والإرهابيين، فهل كنتم ستصمتون لو أنهم شتموا آباءكم؟ لا أدري،ولكن ما نعرفه أن «الجدعان المصريين» يصمتون على من يشتمهم ولكنهم لا يصمتون على من يشتم مصر! الرأي