بالتزامن مع ذكرى بدء العمليات العسكرية الأميركية للإطاحة بنظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، في 20 آذار (مارس) 2003، توشك إيران اليوم -القائدة والمشرفة على قوات "الحشد الشعبي" الشيعية التي تم إحلالها مكان الجيش العراقي الوطني- على دخول مسقط رأس صدام وموطن مرقده؛ تكريت، باسم تحرير المدينة من تنظيم "داعش". ولربما تنجز إيران المهمة الكبرى، كما هو معلن، بـ"تحرير" الموصل، في ذات ذكرى سقوط بغداد أيضاً بيد الأميركيين، في 9 نيسان (أبريل) 2003.
بالنسبة لأولئك الذين لا يؤمنون بـ"نظرية المؤامرة"؛ وهي هنا ستكون أميركية-إيرانية-داعشية، وليس العكس كما يروج رواد "المؤامرة" وأنصارها الأصلاء، فإن هذا التزامن لا يعدو أن يكون محض صدفة خالصة. لكن، برغم ذلك، يظل التكامل بين عمليتي 2003 و2015، أكبر من أي صدفة أو إنكار. إذ إن الحرب التي بدأها الأميركيون ضد العراق قبل اثنتي عشرة سنة، إنما ينهيها اليوم الإيرانيون. لكن ذلك يتحقق، أو هو تحقق فعلاً، ليس بوقف العمليات الحربية وإنهاء الموت والدمار، بل بإنهاء العراق ذاته. وهو الأمر الذي لم يكن ممكناً إلا بإنهاء العراقيين، عبر تحويلهم إلى أعراق وأديان وطوائف ومذاهب.
وفق هذه النتيجة، يكون "منطقياً وطبيعياً!" ما تم تناقله عبر "تويتر" من تغريدات، قبل أيام، عن شعار بدأ يردده قادة "الحشد الشعبي"، بأن "الأرض لمن يحررها"! وبما يعني، بداهة، أن التحرير ليس من "داعش"، بل هو تحرير للبلدات والمدن العراقية من سكانها "السُنّة"، الذين يبدون الآن أشبه بالهنود الحمر، أو الأميركيين الأصليين، المطلوب إبادتهم أيضاً.
بل ولعل إيران تمتلك حجة أقوى من الرجل الأبيض الأوروبي يوم غزا أميركا، بتصوير "العرب السُنّة" محض غزاة للإمبراطورية الساسانية الفارسية، والتي بشر علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني "المعتدل" حسن روحاني، باسترجاعها قبل أيام، فعادت بقوله "إيران اليوم إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي".
لكن كيف أمكن أن يسقط العراق وبغداد مرتين؟ ولعل البعض يحب تسميتهما تحريراً؛ من استبداد صدام أو حكم الأقلية سابقاً، ثم من إرهاب "داعش" والتكفيريين الآن. لكن تظل النتيجة واحدة، من خراب ودمار.
سقوط العراق وبغداد مرتين، كان شرطه المتواصل من دون انقطاع، منذ ما قبل العام 2003 وحتى اليوم، هو السقوط العربي العام، لاسيما شعبياً على مستوى ما يسمى النخب غير الرسمية. فحتى العام 2003، قُدمت مواطنة العراقيين جميعاً، وعمادها طبعاً إنسانيتهم، على مذبح شعارات "القومية العربية"، والممانعة والصمود والتصدي! ثم بعد الغزو الأميركي، كان أن أُنكر على العراقيين القومية العربية ذاتها، من أنصارها السابقين-الحاليين! فبيع العراقيون في البازار الإيراني، وأيضاً ودائماً بدعوى المقاومة والممانعة التي أباحت التنكيل بـ"أيتام صدام"، والذين هم كل السُنّة العراقيين.
هكذا، يكون هذا السقوط، الذي صار جسراً يربط بغداد بدمشق وصنعاء أيضاً، هو الأجدر بوصف "باق ويتمدد"، ونتيجة له يكون "داعش" الفكرة، وأياً كانت التنظيمات المعبرة عنها، باقية وتتمدد أيضا! الغد