ثمة تساؤل كبير يطرحه العديدون هذا الأوان ، عن المصير السياسي المستقبلي للعراق ، بعد انتهاء الحرب التي يخوضها كل من العراق وإيران على تنظيم داعش الارهابي ، وهل سيكون النصر إيرانيا بالذات ، خاصة في ظل التصريحات الايرانية التي تقول ً اننا حررنا خمسة وثمانين بالمائة من الاراضي السوريه ً ، فهل سنسمع تصريحات تقول بان ايران هي من حرر الارض العراقية مثلا .
هذا تسؤل مشروع في ظل غياب عربي واضح عن تلك الحرب التي تبدو في نظر العالم ، كما لو كانت حربا إيرانية تؤيدها واشنطن التي لا تبخل احيانا ، في أبداء ما تسميه بالقلق عن اهداف ايران اللاحقة في العراق بعد هزم الارهاب ، وهو تساؤل يفتح الباب لتساؤل اكبر يقول اصحابه ، وما شأن ايران بالعراق اساسا ، حتى ترسل قواتها جهارا نهارا للحرب في العراق ، وفي سورية كذلك ، اليس العرب هم الاولى بان تكون قواتهم هم ، هي من يحارب لإعادة السلام الى هذين البلدين العربيين ، ثم باي حق او غطاء دولي تنغمس ايران في الحرب ، وما الذي تريده في نهاية المطاف ، ولماذا ترحب حكومتا العراق وسورية بالتدخل الايراني ، ولا تقبلان في المقابل بتدخل عربي مماثل ، او حتى وحيد ، بأعتبار ان لا احد من العرب له طموحات مستقبلية في أي من هذين البلدين العربيين .
قلنا ولن نمل القول ، بأننا نتمنى ان يكون هناك تآلف عربي ايراني يضم كذلك تركيا ، مهمته إعادة الهدوء الى الاقليم كله ، ولمصلحة الجميع عربا وايرانيين واتراكا ، إلا ان غياب العرب بالذات ثم تركيا ، وإنفراد ايران دون سواها ، بالتدخل عسكريا وسياسيا في كل من سورية والعراق ولبنان واليمن ، ولا ندري اين لاحقا ، يثير التساؤلات الكبرى عن المستقبل ، وما الذي يدور بخلد إيران التي يرى العرب فيها داعما ومتبنيا للعرب الشيعة دون السنة خارج حدودها ، وفي عالمنا العربي تحديدا .
سعدنا كثيرا بزيارة وزير خارجيتنا الى طهران مؤخرا ، وسعدنا اكثر بما قيل عنه حوارا بين مثقفين اردنيين وإيرانيين في عمان ، ومصدر سعادتنا هذه ، يكمن في إعتقادنا بان تحولا طيبا كهذا ، قد يفتح الباب لصراحة متبادلة بين العرب وايران ، وعلى نحو قد يوصل جيراننا الايرانيين ، الى قناعة بأن تدخلاتهم في الشؤون العربية الداخلية ، ليس لها من نتيجة سوى تعميق الشكوك وإثارة النعرات الطائفية ، ووضع العرب وايران على طرفي نقيض ، وهو حال يسر اعداء العرب وإيران معا ، ممن يعملون ليلا نهارا ، على تعميق الفتنة الطائفية بين الجانبين ، لا بل يرون ضالتهم المنشودة، في تفاقم الصراع بين العرب وإيران ، خاصة في ظل الاحساس الشعبي والرسمي العربي المتنامي ، بأن ايران باتت خطرا يتهدد البلاد العربية ، ولا بد بالتالي من صدها ، وليس سرا ولم يعد خافيا ، ان كثيرين في عالمنا العربي ، صاروا يرون في ايران خطرا مماثلا للخطر الاسرائيلي ، خاصة بعد دورها المعلن في سورية والعراق واليمن ، وتدخلاتها في البحرين ولبنان .
ندرك عمق الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك شخصيا ، وندرك وجاهة مسعاها لتقريب وجهات النظر مع ايران ، فالعرب احق واجدر بالتحاور مع ايران من الولايات المتحدة والغرب كله ، ولمبررات عديدة ليس اقلها ان ايران جارة للعرب ، الى جانب كونها بلدا اسلاميا ، ونأمل ان تدرك ايران بالذات ، ان مصالحها الراهنة والمستقبلية ، هي مع العرب قبل سواهم ، وان تفاهما معمقا بين ايران والعرب وتركيا ، ستكون له آثاره الفورية والمستمرة في إنهاء الصداع المزمن الذي يعانيه الاقليم كله ، والصراع المستفحل الذي تديره اميركا واسرائيل بما يخدم مصالحهما وحدهما ، دون العرب وايران وتركيا ، وهما صداع وصراع حلهما ممكن وبقوه ، إذا ما قام تفاهم وتآلف عربي ايراني تركي ، على قاعدة الاحترام المتبادل ، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لاي طرف ، وبناء تعاون اقتصادي اجتماعي عملاق بين اطراف هذا المثلث ، وبما يعود على شعوبهم واقطارهم بالخير والحياة الكريمة المطبوعة بالرخاء ، وبما يجعل منهم قوة اسلامية قادرة على فرض رأيها وإرادتها على الموائد الدولية كافة ، وبما يمكن كذلك من التوصل الى حل مشرف للقضية الفلسطينية وللقدس الاسيرة ، والاهم من ذلك ، بما ينسجم وإرادة الله سبحانه ، في قيام المحبة والتعاون والتميز بين المسلمين إبتداء، وعلى نحو يخدم الاسلام دين الحق والرحمة للبشرية كلها . فهل نعيد التفكير مليا بما نحن فيه ، وبما يجب ان نكون فيه وعليه ، عربا وايرانيين واتراكا ، نتمنى ذلك ، ونرى في نقيضه ، مخالفة لشرع الله سبحانه ، وتكالبا زائلا على الدنيا دون الآخره ، في زمن نحن جميعا احوج ما نكون فيه ، الى التعاون بدل التحارب . والله من وراء القصد .