الحصانة البرلمانية .. وجهة نظر أكاديمية
د. محمد الخلايلة
12-03-2015 01:21 AM
يتمتع النواب والاعيان في البرلمان الأردني وفقا لأحكام المادتين 86 و 87 من الدستور بحصانة برلمانية "موضوعية" تحول دون ملاحقتهم جزائيا عن ارائهم ومواقفهم أثناء تأدية العمل البرلماني كما يتمتعون بحصانة "اجرائية" تحول دون توقيف أو محاكمة النائب أو العين عن أي جريمة جزائية إلا بموافقة المجلس الذي ينتمي إليه طالما كان المجلس في حالة انعقاد.
ولا تثير الحصانة الموضوعية بهذا المعنى أي اشكاليات قانونية باعتبارها وسيلة لتمكين العضو من ممارسة دوره بجرأة وشجاعة، فقد جاء في المادة 87 من الدستور أنه (لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب إي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه في أثناء جلسات المجلس).
أما الحصانة "الإجرائية" والتي أشارت اليها المادة 86 بقولها (لا يوقف احد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية ...) فتثير العديد من الاشكاليات وإلى الحد الذي يدعو لالغاء النص الدستوري المتعلق بها والابقاء فقط على ذلك النص الذي يتضمن الحصانة الموضوعية.
فالحصانة الإجرائية بالمعنى الوارد في المادة 86 من الدستور تحول دون توقيف أو حتى الاستمرار في محاكمة النائب أو العين عن أي جريمة جزائية إلا بموافقة المجلس الذي ينتمي إليه طالما كان المجلس في حالة انعقاد.
وإذا كان البعض يبرر هذه الحصانة بأنها تحول دون تأثير إجراءات الملاحقة أو المحاكمة على ممارسة العمل النيابي (على اعتبار أن المشتكى عليه في القضايا الجزائية سيضطر إلى المثول أمام القضاء في حين أنه يستطيع توكيل محامي للحضور بدلا منه في الدعاوى الحقوقية التي لا حصانة فيها) فإنه يمكن القول بأن المبررات التقليدية لهذه الحصانة الإجرائية لم تعد اليوم مقنعه لأسباب متعددة يلخصها بما يلي:
أولا: توجب هذه الحصانة على القضاء أن يطلب رفع الحصانة عن النائب أو العين وإذا لم يوافق المجلس الذي ينتمي إليه فإنه لا يمكن إجراء الملاحقة أو المحاكمة طوال فترة انعقاد المجلس مما يعني غالبا الانتظار لفترات زمنية طويلة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الدورة البرلمانية أصبحت بموجب التعديلات الدستورية لعام 2011 ستة أشهر وليست أربعة أشهر ويمكن تمديدها لثلاثة أشهر وقد تليها مباشرة دورات استثنائية.
ثانيا: إذا كان عدم تعطيل العمل النيابي وهي الحكمة من الحصانة "الإجرائية" غاية سامية وتحقق مصلحة عامة فإن عدم عرقلة سير العدالة وممارسة حق المجتمع في معاقبة مرتكبي الجرائم لا يقل أهمية عنها.
ثالثا: إن حضور النائب أو العين بعض جلسات المحاكمة لن يعطل العمل النيابي خاصة وأن التعديلات الأخيرة على قانون أصول المحاكمات الجزائية لم تعد تستلزم حضور المشتكى عليه في القضايا الجزائية الجنحية إلا جلسة أو جلستين فقط ويمكن أن يحضر بدلا منه محاميا كما في الدعاوى المدنية والتي لا تشملها الحصانة وفقا لنص المادة 86 من الدستور (انظر المادة 168 قانون أصول المحاكمات الجزائية).
رابعا: إن الحصانة "الإجرائية" لأعضاء مجلس الأمة بالمعنى الذي أشرنا إليه تشكل- في غير حالات التلبس بالجريمة - قيدا على سلطة النيابة العامة وسلطة القضاء في معاقبة من قد يرتكب أخطر الجرائم التي لا علاقة لها بالعمل البرلماني وإن ذلك من شأنه أن يضع النائب أو العين فوق القانون ويجعل منه شخصا يضع القوانين ولا يخضع لها.
خامسا: إن الحصانة "الإجرائية" في كثير من الأحيان ليست في مصلحة النائب ذاته وبخاصة عندما يغلب الظن لديه أو لدى محاميه بأن الحكم سيكون بالبراءة أو عدم المسؤولية وليس بالإدانة، فالسير باجراءات المحاكمة وصدور الحكم في أسرع وقت يمكن أن يخلق لديه حالة من الاستقرار والانشغال بواجباته البرلمانية.
* عميد كلية الحقوق في جامعة مؤتة