المراقب لوضع الصحافة الوطنية، لن يحتاج إلى عناء تفكير كبير، ليعرف حجم الأزمة المالية التي تمر بها الصحافة الأردنية بشكل عام، والتي أدت إليها عوامل عديدة أبرزها سوء التخطيط واختيار ممثلين عن مؤسسات في مجالس إدارات الصحف، لا خبرات لديهم في الحقل الإعلامي، ولا دراية لهم بتقنيات العمل الصحفي الذي يحمل في كل حرف حكاية وطن.
ما يعنينا في واقع الأمر معالجة الأسباب التي أدت إلى هذه العثرات، وباتت تشكل مصدر خطر حقيقي على استمرارية هذه الصحف في تأدية رسالتها وبخاصة في ظل ظروف استثنائية وحساسة يعاني منها الإقليم برمته، أحوج ما نكون فيه إلى صحافة وطنية تحصن جبهتنا الداخلية وتقف إلى جانب المشروع السياسي للدولة.
صحيفة «الرأي» التي تصدرت المشهد الإعلامي والإعلاني لسنوات طوال، سجلت قصص نجاح يشار إليها بالبنان، بدأت حكاية تعثرها المالي حينما اقحم أحد مجالس إدارة الشركة آنذاك، «المؤسسة الصحفية الاردنية» بمشروع مجمع مطابع في منطقة أم العمد، سُوّق وقتذاك بأنه سيعود على «الرأي» بالربح الوفير، وستنعكس إيجابياته على أهل «الرأي» ومساهميها الذين يتقدمهم «الضمان الاجتماعي» المساهم الأبرز، وبات المجلس ذاته يسبح بحمد هذا المشروع من عديد الفوائد والمزايا التي سيحققها، ونال بالفعل مباركة «الضمان» ومضى تنفيذه بموجب دراسات سوق تشدق بها المجلس حينها، نحن كعاملين لسنا طرفاً فيها أو حتى على دراية بها!
شاءت الأقدار نتيجة السوء في تقدير الأولويات أن يصبح «المجمع» بعد ان تعثر تشغيله مرات ومرات حجر عثرة في تقدم «الرأي»، بعد أن كبد المؤسسة ما يزيد عن 35 مليون دينار «فقط لغايات طباعة الرأي!» وبات يشكل عبئاً كبيراً وضاغطاً على موازنتها، أثرت بشكل مباشر على حجم الملاءة المالية، وبدلاً من ان يكون المشروع معيلاً بات معيقاً وتسبب في إحداث خسائر أُلحقت بـ«الرأي» المؤسسة.
المخاض الصعب الذي تمر به المؤسسة يتحمل المالك الرئيس القسط الأكبر فيه، بعد أن أعطى مباركته الخطية في المضي قدماً بتنفيذ المشروع.. ومع ذلك نقول ما زال هناك متسع من الوقت لإنقاذ الوضع المالي للمؤسسة والاستمرار في تقديم رسالتها الإعلامية، كأن يشتري المالك الرئيس مشروعه «الواعد»، ويسوقه بالطريقة التي يراها مناسبة.
فالرأي في نهاية المطاف مؤسسة إعلامية وليست شركة استثمارية تتحمل إقامة مشروع بملايين الدنانير! وليعلم القاصي والداني أن «الرأي» بمعزل عن هذا «المجمع» وتداعياته، هي مؤسسة إعلامية ناجحة ومستقرة مالياً بدلالة الايرادات التي تكشفها البيانات المالية وحجم الإعلان فيها. نسجل لمجلس النواب تبنيه لمذكرة وقع عليها 52 نائباً، يلتزم فيها بمسؤولياته الوطنية في الحفاظ على مقدرات مؤسسات الوطن ودعوته المباشرة لعقد جلسة مناقشة عامة لبحث التحديات التي تواجه الصحافة الوطنية، لكن هذا لا يكفي فنحن ننتظر من أعضاء مجلس النواب كافة أن ينتصروا للسلطة الرابعة التي تحمل الهم الوطني على عاتقها حتى تتمكن من الاستمرار في تأدية رسالتها الوطنية والقومية، لتبقى صحفنا قلاعاً محصنة لا فريسة لحزمة قرارات غير مدروسة، في وقت نحن احوج ما نكون فيه لدور صحافتنا في ظل إقليم ملتهب.
"الراي"