سلام عليكم.. وعلى الشجر السلام
سلام على نخلة هزّت إليها جذعها السيدة العذراء مريم بأمرٍ من ربها ذات بِشارةٍ بإنجاب نبيّ,,, وسلام على "طوبى" شجرة السعادة التي يسير في ظلّها المؤمن الراكب مسافة مائة عام على أرض جنّة الله الموعودة,,, سلام على زيتونة تَضَوّعت بعطر دم الشهيد بعد أن استحمّت بماءٍ من عَرَق جِباه الأجداد,ودموع فَرح,ووفاء الجَدّات,,,أيضا,وأيضا سلام على تِينةٍ أطعَمَت الطير, وعابر السبيل, وظلّلت بأوراقها نايَ راعٍ, وحِملان نعجاته الشفوقات.
هكذا وكما كُنا نخلَعُ عَنّا أردية التعب لنجتمع في ظِل شجرة,أراد لنا "نزار حداد" أن نخلع عنا صخب المدينة, وضجيجها لنتفيأ ظِلال أشجار كِتابه "بوح السنديان" لنُصغي بخشوع لما سيبوح به لنا السنديان.
لقد كنت للوهلة الأولى سأسأل لماذا اختار "نزار" السنديان ليُسمعنا بوحه,ولم يَختَر ألرتم مثلا,أو الزعرور, والصنوبر, أو الزيتون والصفصاف, لكنه أي "نزار" يعترف في تمهيده للكتاب بأن اختيارهُ للسنديان كان يعود لأسباب منها ثَباتُ,وصمودُ هذه الشجرة, وعراقتها التي اكتسبتها من عمرها المديد,ولأنها كانت ولا تزال رمزاً للغابة.
وأنا إذ أتحدث عن "بوح السنديان" الآن, فإني أتذكر تلك الليلة التي وصلتني بها دعوة من "نزار حداد" يدعوني بها أن أكون صديقا له على موقع التواصل الإجتماعي "الفيسبوك", فما كان مني إلا أن دَلفتُ صفحته وإذا بي أجد مُتكئاً لي على جَذع شجرة كان قد كتب عنها في صحيفة "الرأي", ثم قام بنشر ذلك في صفحته.
في الحقيقة أقول أنني وما أن التَهَمَت عيناي السطر الأول مما كتب, إنتابني جوعٌ لالتهام كل الأطباق التي كانت على مائدة "نزار".
الغريب في الأمر أن مُدمناً مثلي في الإبحار برمل الصحراء,وغدرانها,وكواسر طيرها,وأنياب ذئابها,وشَراقي ريحها التي شقّقت شفاه الروح,وأدمعت العيون,وجدتني أبحث عن خُلوة أخرى داخل ذلك الأخضر الفسيح الذي تمكن "نزار" من حياكة نسيجها بحروف هي أقرب لوجدان عاشق الشجر من حروف لغة العلم,والمعرفة بشؤون الشجر,هذا الأسلوب الفريد في تغليف المعلومة بموسيقى الحرف العربي هو الذي جعل من "نزار" صديقا قريبا من قلب تعلّق بصدر من تراب الوطن وراح يخفق بعشقه.
واليوم لا يسعني إلا أن أبارك لعيون مُحبي وأصدقاء الشجر هذه الأوراق الثمينة التي ستجول بين حروفها المُتقاة بعناية من شَغوف بالطبيعة, وسِحرها المشغول بعناية فائقة لخالقٍ لا يكاد العمر يكفي لشكره, والإمتنان له سُبحانه, فشُكراً يا "نزار".
#قُرِأت مساء أمس في حفل إشهار كتاب "بوح السنديان".