"المنطقة تعيش في زمن الحروب المتعددة، والخطر فيها درجات، والإيراني أعظمها، خاصة مع اقتراب عقد اتفاق نووي مع الغرب". الجمل السابقة مقتطفة من مقال نشر أمس في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، للكاتب السعودي المعروف عبدالرحمن الراشد، والمقرب كثيرا من مراكز صنع القرار في الرياض.
مقال الراشد، ومثله الكثير من التصريحات الرسمية والتحليلات في الإعلام الخليجي، والسعودي على وجه التحديد، تكشف عن حجم التباين الحاصل في مواقف دول المحور العربي؛ السعودية والإمارات، والأردن ومصر، ودول أخرى في المنطقة، حول أولوية المخاطر والتهديدات التي تواجه هذه الدول.
يساجل الراشد في مقاله الذي حمل عنوان "هل علينا التصالح مع الأسد؟" أصحاب الرأي القائل بإمكانية التعايش والتصالح مع نظام الأسد، وينتقد بشكل صريح الأفكار المصرية بهذا الشأن.
ما ينشر في وسائل الإعلام الخليجية هذه الأيام، يعكس التحول في الموقف السعودي بعد تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية.
القيادة الجديدة في السعودية أصبحت على قناعة بأن الصفقة الأميركية مع إيران وشيكة. وهي، على ما يبدو، لا تصدق تعهدات إدارة الرئيس باراك أوباما الرامية إلى تخفيف حدة القلق الخليجي من تداعيات هذه الصفقة على أمن دول الخليج. وما يثير الهلع الخليجي تنامي النفوذ الإيراني في العراق، والمكاسب المترتبة على الاتفاق النووي في سورية ولبنان.
كل هذه الاعتبارات تجعل الحرب على الإرهاب والقضاء على "داعش"، أمرا ثانويا بالنسبة لبعض دول الخليج التي تخشى المارد الإيراني، ولا ترى تهديدا أعظم منه.
ربما لا تشاطر دول مثل الإمارات العربية المتحدة السعودية الموقف ذاته، ويستدل على ذلك باستمرار مشاركتها العسكرية في الضربات الجوية لمواقع "داعش"، ومواصلة دعمها لنظام السيسي في مصر بالوتيرة نفسها.
الأردن يراقب باهتمام بالغ هذه التحولات في المواقف، ويخشى من أن يؤدي الخلاف حول الأولويات إلى تراجع الزخم العربي المطلوب لخوض حرب طويلة ومعقدة مع الجماعات الإرهابية.
موقف الأردن واضح، وإن شئنا القول يختلف بشكل صريح مع مقاربة بعض الحلفاء الخليجيين؛ فالأولوية بالنسبة له في سورية هي التصدي لتنظيم "داعش"، وليس العمل لاسقاط نظام بشار الأسد، مع احتفاظ الأردن بموقف داعم للمعارضة المعتدلة كشريك إلى جانب النظام في حوار يفضي إلى حل سياسي للأزمة السورية. لقد قال الملك عبدالله الثاني هذه العبارات بشكل صريح في آخر مقابلتين صحفيتين له.
لكن بالنظر إلى ما يصدر من مواقف خليجية، والمتوقع أن تتضح بشكل أكبر في حال وقعت الدول الغربية الاتفاق النووي مع إيران، فإن فرص ولادة تحالف عربي إسلامي، كما يأمل الأردن، لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية المتنامي في المنطقة، ستضعف كثيرا. ومن غير المستبعد أن نشهد استدارة كاملة من طرف البعض، إلى حد دعم تلك الجماعات المتطرفة بدعوى الدفاع عن السُنّة في العراق وسورية واليمن، ومواجهة خطر التمدد الإيراني في تلك الدول. ذلك يعني ببساطة أننا سنخسر الحرب على الإرهاب، وربما يذهب البعض إلى حد التصالح مع "داعش" نكاية بإيران ونظام الأسد.
ليس أمام الأردن من خيار سوى العمل على احتواء التباين في المواقف مع حلفائه، وتجنب الاختيار الصعب من بين عدة أولويات، باعتماد أجندة مرنة للدول المتحالفة، تحافظ على الحد الأدنى من التنسيق اللازم لخوض المعركة ضد الإرهاب، من دون الاصطدام معها في الموقف من إيران وسورية، تماما كما كانت الإدارة السياسية الأردنية للتباينات مع دول خليجية حول الأزمة في سورية خلال السنوات الأربع الماضية. الغد