خطوة الاردن نحو أيران عين العقل
شحاده أبو بقر
09-03-2015 03:41 PM
فتحت زيارة وزير الخارجيه ناصر جوده الى طهران ، شهية الكثيرين للتكهن والتحليل ، فمنهم من يرى ان الاردن ينقلب على تحالفاته التقليدية سواء في المنطقة العربية او الولايات المتحده ، ومنهم تقليديون يرون ان الاردن لا يمكن له ان يتحرك باتجاه ايران بدون غطاء او مباركة من هذين الحليفين ، الى غير ذلك من التحليلات التي يقترب بعضها من الحقيقة وينآى بعضها الآخر عنها .
ما لا يريد المحللون التقليديون تصديقه ، هو حقيقة ان الاردن الجديد ً إن جاز التعبير ً ، ليس سياسيا في جيب أحد ، بما في ذلك الولايات المتحده ، وإنما هو في جيب واحد هو جيب مصالحه الوطنية العليا اولا وقبل أي شئ آخر ، وهي مصالح يدرك الاردن جيدا انها تتأثر مباشرة او بصورة غير مباشرة ، بمصالح ألإقليم كله كوحدة واحده ، وبالذات دول الجوار ، وهي دول الخليج العربية ومصر والعراق وسورية ولبنان ، وفي مسار مواز لذلك وبذات الاهميه ، القضية الفلسطينية التي باتت كما لو كانت في حكم المنسية في ظل إنشغال العرب بقضاياهم المحليه .
ومن هنا فأن الاردن لا يمكن ان يتنكر لعلاقاته الاستراتيجية التقليدية مع محيطه العربي تحديدا ، ويملك المتابعون الذين يحملون الخطوة الاردنية نحو أيران اكثر مما تحتمل ، ان يطمئنوا تماما لهذا الامر ، إن كانوا معنيين فعلا بذلك ، أما إن كان الامر مجرد تصيد في مياه عربية وإقليمية عكره ، فذلك شأن آخر إعتاده الاردن طويلا عبر العقود الماضيه .
قلنا سابقا ، أن مفتاح الحل للكارثة التي تحل بالاقليم كله ، موجود في طهران وانقره ، قبل العواصم العربية ذاتها ، وسواء أعجبنا هذا الواقع أم لا ، فإن إيران اليوم تملك نفوذا واسعا في اقطار عربية عده ، اكثر مما يملك العرب فرادى ومجتمعين ، واكثر بكثير مما تملك واشنطن وسائر عواصم الغرب ذات النفوذ الدولي ، ويتكرر الامر ذاته ولكن بدرجة ابسط نسبة لتركيا . وليس سرا ان الشعوب العربية المسكونة بحالة مذهلة من الإحباط والغضب التاريخي نحو السياسات الاميركية والغربية عموما بشأن العالم العربي ، وبالذات رعايتها المستمرة لإسرائيل المحتلة لارض ومقدسات العرب ، تستهويها وتشد إنتباهها السياسات النظرية الإيرانية والتركية المخاصمة لاسرائيل تحديدا ، يضاف الى ذلك وبقوه ، عجز العرب عن التوصل لحلول لمشكلاتهم المرتبطة بما سمي بالربيع العربي ، حيث تبدو الامور ملتبسة ومختلطة تماما في عجز عربي واضح عن أجتراح حلول ما لحقن الدماء العربيه .
في ظل هذا الواقع العربي والاقليمي والدولي ، يتجسد الحراك السياسي الاردني في كل الاتجاهات ، وهو حراك متحرر من المشاعر العاطفية التي لا تجدي نفعا في السياسه ، ومنخرط في المقابل في المشاعر الواقعية والموضوعيه ، فإذا ما كان هناك مجال لتقارب عربي إيراني بعيدا عن الشكوك والمخاوف ، وعلى نحو صريح يضع كل الخلافات على طاولة البحث ، فإن من الحكمة الذهاب في هذا الاتجاه ، إذا ما كانت النتيجة الاهم ، هي إيجاد نهايات مريحة لحالة الاقتتال المستفحلة الدائرة في سوريه والعراق واليمن وليبيا وغيرها .
أما من لا يريد أن يتخلص من الموروث التقليدي للفهم السياسي السائد إزاء قضايا المنطقه ، فإن له أن يلاحظ مثلا ، ان واشنطن اكبر قوة عسكرية على وجه الارض ، باتت اليوم على حافة توقيع إتفاق تاريخي مع إيران ، وأن حكومة إسرائيل التي كانت حتى يومين مضيا تصب جام غضبها على هكذا إتفاق منتظر ، باتت اليوم تحديدا ، تطالب بتحسين بنود هذا الاتفاق وحسب ، فالمطلب الاسرائيلي هو فقط زيادة مدة إلتزام إيران بتجميد برنامجها النووي لاكثر من عشر سنوات كما هو مقترح ، سبحان الله ، فامريكا وإسرائيل اللتان كانتا حتى وقت قريب تتفلتان لضرب إيران وتعدان الخطط العسكرية لتدمير منشآتها النووية وقدراتها كافة ، يتصالحان اليوم معها ، ويتركانها للخلاف مع العرب وحدهم ، وهو خلاف لا شك يتمنيان وسيعملان على تحويله الى صدام لا قدر الله .
التحرك الاردني نحو إيران منطقي وحكيم وشجاع ايضا ، ولمصلحة الجميع ، وأفترض منطقيا أن جهتين فقط قد لا يريحهما هذا التحرك ، وهما الولايات المتحدة وإسرائيل ، ولم يعد مقبولا ابدا ، ان يستمر العرب في مخاصمة إيران ، بينما تتفاوض واشنطن معها بالاصالة عن نفسها ، ونيابة عن إسرائيل ، وصولا الى اتفاق وشيك يجمد برنامجها النووي من جهه ، ويطمئن اسرائيل من جهة ثانية بأن خطرا إيرانيا لا يطالها ، في وقت تريد فيه هاتان الدولتان وغيرهما للخصام العربي الايراني ، ان يتحول الى صدام مياشر في العراق واليمن وسوريه وحتى البحرين ولبنان وغير ذلك .
نعيد التمني على إيران بالذات وعلى تركيا ، إدراك ان مصالحهما ومصالح العرب ، موحدة إن لم يكن بحكم الدين والتاريخ والتشابه الثقافي والاجتماعي ، فبحكم الجوار والجغرافيا الموحدة والتقارب الوجداني بين الشعوب ، ولهذا ، فإن المنطق يقول وبوضوح ، ان تفاهما عربيا ايرانيا تركيا ، هو مقدمة مصيرية مهمة جدا ، لاستقرار وأزدهار ورخاء اوطانهم وشعوبهم كافه ، ولحل عادل يفرض بقوة للقضية الفلسطينية ، ولجميع أزمات المنطقة والاقليم ، وهو تفاهم سيكون سببا لرضوخ القوى الكبرى كافة لارادة دول هذا المثلث العربي الايراني التركي ، وهذا ليس حلما بعيد المنال ، وإنما هو ما يفترض ان يكون حقيقة على ارض الواقع . حقا لقد ضيع العرب والايرانيون والاتراك عقودا من اعمار شعوبهم في الشقاء والخلاف الذي خالف متطلبات الحياة الكريمة وجعلهم جميعا نهبا للآخرين بلا مبرر على الاطلاق . نسأل الله جلت قدرته ان يجعل ذلك واقعا بإذنه سبحانه، وهو من وراء القصد .