اذا اجرينا دراسة علمية لاكتشفنا ان الشعب الاردني ، هو اكثر شعب عربي يكتب استدعاءات في حياته ، فالمواطن يكتب الاستدعاء للاعتراض على فاتورة الكهرباء او الماء مثلما يكتب الاستدعاء للحصول على العلاج او مساعدة مالية ، او حتى يقابل هذا المسؤول او ذاك. وتبدأ ثقافة الاستدعاء لدينا في البيوت في عمر مبكرة ، فالطفل يرى والده وقد عاد متعبا او غاضبا ، من مراجعته لدائرة حكومية ، فيقترح عليه ابنه الاكبر او زوجته ان يذهب الى مكتب الوزير ويتظلم ، وان يكتب استدعاء ، وفي حالات اخرى ، تفكر العائلة بالحصول على قطعة ارض او مساعدة مالية ، او حتى نقل الولد الصغير من مدرسته الى مدرسة اخرى ، فيكون الحل الفوري ، ان عليه ان يكتب استدعاء لهذا المسؤول او ذاك
ملايين الاستدعاءات التي كتبها المواطنون ، لم تؤد الا الى مزيد من المظالم ، بل انني التقيت بمواطن يلخص القصة كلها.. حين اعطاني ثمانية استدعاءات مرة واحدة ، على اساس ، انه من المؤكد ان واحدا منها سيمر وينجح عبر حواجز الكتبة والمسؤولين الصغار والكبار ، واحد للحصول على قطعة ارض مجانية ، وثان لعلاج اسنانه مجانا ، وثالث ، للحصول على منحة دراسية لابنته ، والرابع مطالبة بمائة دينار لم تدفعها له دائرة حكومية نظير خدمات قدمها ، والخامس مطالبة براتب من التنمية الاجتماعية ، وسادس معروض يطلب تقسيط فواتير الكهرباء ، وسابع ، شكوى ضد مسؤول لم يستقبله جيدا ، وثامن كان موجها لي شخصيا للنظر بعين العطف والرعاية الى استدعاءاته.
ثقافة الاستدعاءات ، لا تدل الا على المظالم التي يعيشها الناس ، فلو كان المواطن الاردني يحصل على حقوقه الطبيعية ، لما تنازل وكتب استدعاء لاحد ، حين يتلذذ كثيرون بتحويل الاردني الى كاتب استدعاءات على ابواب المؤسسات المختلفة ، وحين يتحول المواطن في بلده الى جائع ومريض ومحتاج ، وحين يرى الاردني الثراء الفاحش للبعض ، ويسمع قصصا عما يجري وهو لا يجد رغيف يومه ، فان علينا ان نعرف ان هناك بركانا في صدور الناس ، لن يبقى ساكنا امام التصريحات التي يطلقها البعض لتسكين جراحهم.
شعبنا ، شعب كريم ، صاحب موقف وتاريخ ومرؤءة ، ولا يستحق ان نحوله يوما بعد يوم الى مجاميع بشرية غارقة في عالم من الاستدعاءات.