الفقر والبطالة والتصحر الثقافي
د.حسام العتوم
08-03-2015 03:02 PM
ستبقى سلة الاقتصاد في الأردن تشكل محوراً أساسياً في تحديد بوصلة الاستقرار الوطني ولدينا إمكانات اقتصادية كبيرة وعندنا فقر اقتصادي في المقابل، وبلدنا عروبي منذ ثورته العربية الكبرى المجيدة 1916، ونفتقر لوحدة مشتركة مع العرب الذين هم عمقنا الإستراتيجي والقومي، ونملك طاقات بشرية هائلة وسوقاً اقتصادية محلية ضيقة ذات الوقت، وفي حوزتنا (32) جامعة إلى جانب معاهد عديدة تحث على العمل وتشجع عليه وتحارب ثقافة العيب الناجمة عن أسباب اجتماعية منها سوء التعامل مع الفجوات الطبقية الواجب ردمها بدلاً من توسيعها وغياب للعدالة السياسية أيضاً من زاوية المشاركة المتوازنة، ونتمتع بثقافة وطنية وقومية عميقة وسامية وخوف في المقابل من التصحر الثقافي تجاه التطرف خاصة والإرهاب على البواب وفي المحيط والجوار، ويقابلها عمالة وطنية تبحث عن عمل وعندنا أخرى وافدة فائضة، وعمانيونا محظوظين في فرص العمل والسياسة وشح في هذا المجال خارج العاصمة.
والمعروف بأن نسبة الفقر وصلت إلى (12%) وخط الفقر إلى (800) دينار شهرياً، وتسابق للزمن مع الفرصة السكانية حيث بلغ عدد سكان الأردن حالياً (9) مليون نسمة بحكم الاهتزازات والتغيرات الإقليمية والسياسية والجنوح للتطرف في المنطقة، ومعدل البطالة (12%)، والعمالة الوافدة تزيد عن (300) ألف شخص المسجلين قانوناً موزعين على الزراعة والصيد والخدمات الاجتماعية والصناعات التحويلية والمطاعم الفنادق والبناء والتشييد، ويقابل هذه المعادلة وجود نحو (10%) من العمالة الوطنية في القطاع الخاص منها (6%) في السيادة، والأردن الآن ورغم الاهتزازات السياسية المجاورة والجانحة باستمرار صوب التطرف يتحول إلى مركز إقليمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو السياحة، ولديه سوقاً حرة وهو عضو في منظمة التجارة العالمية.
وأهم واكبر مشاريع الأردن الاقتصادية في الحاضر والمستقبل هي أولاً التوجه لاستخدم الطاقة النووية لغايات إنتاج الكهرباء وتشرف عليه هيئة الطاقة الذرية الأردنية وتحت إشراف دولي ويخدم هدف تصدير الكهرباء عام 2030، وثانياً: تمكين سلطة منطقة العقبة الاقتصادية من جذب (8 مليارات دولار)، وهي تطمح لاستقطاب (12) مليار دولار وتوفير (70) الف فرصة عمل عم 2020 إضافة إلى جلب استثمارات عربية وأجنبية بقيمة (18 مليار دولار)، وتطوير لمطار الملك حسين في العقبة بـ(50 مليون دولار)، ومشروع جر مياه الديسي الذي سيزود المملكة بحوالي (100) مليون متر مكعب سنوياً بكلفة إجمالية بلغت (700) مليون دينار، وتوسعة مطار الملكة علياء الدولي بقيمة (750) مليون دولار بالتعاون مع فرنسا، وهذه المشاريع الضخمة وغيرها ستشكل رافداً قوياً لفرص عمل شبابنا وشاباتنا وستساهم في رفعة وبناء وطننا الأردن الغالي المستقر بهمة وجهد مليكنا وقيادتنا الهاشمية الحكيمة وسواعد أبناء شعبنا المتحمسة دوماً للعطاء.
وقد جاء خطاب سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الأخير مؤثراً وبليغاً في مكانه وزمانه ولقد وجه تحديداً للداخل الأردني بعدما عصفت بالإقليم الإرهاب وشوه صورة الإسلام الحقيقي، حيث ذكر جلالته وبثه إعلام الديوان الملكي العامر بأننا اليوم أمام المستقبل الذي نطمح إليه ونستحقه، المستقبل الذي نختاره للأردن بأنفسنا وليس المستقبل الظلامي الذي يسعى لفرضه من يمارس الإجرام ويدعي الإسلام، ومن يمارس الإرهاب ويدعي الإيمان، وكرر جلالته كلمة ارفع راسك في خطابه السامي أربع مرات متتالية لشحذ الإقلاع بهمة الأردنيين إلى حدود سقفها السماء.
وثمة فرق بين الثقافة والتصحر الثقافي، فالأولى تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس ثقف الرمح أي سواه، والمثقف هو الباحث عن الجديد، وحسب مؤسس الانثروبولوجيا (Frans Boas) فإن اللغة هي الناقل والأداة الأساسية لثقافات الشعوب، وأنا أقول هنا بأن اللغة ذاتها لم تظهر مرة واحدة فلقد سبقها النحت على الخشب والطين والحجارة وسبقتها الإشارات والإيماءات والتصوير، وبناء عليه فإن التصحر يعني لي في مجال الثقافة التطاول على الثقافات الأصيلة وتحريفها وتفريغها من مضمونها؛ يقول كتاب الثقافة بين الكوني والخصوصي الذي ترجمه د.إياس حسن (ص10): (إن الثقافة تتعارض مع الطبيعة، فكل ما هو ثقافي في الإنسان يبدو أن الكائنات الأخرى تفتقده: مثل اللغة الفصيحة والقدرة الرمزية، وفي عصرنا هذا نجد أن الإرهاب فاقد للثقافة الإنسانية وخارج عن الدين السماوي الحقيقي الذي بلغ به الأنبياء والرسل عليهم السلام، حتى أصبح الإرهاب في عيون البشر خروجاً على الدين وأصوله لأنه يمارس الإجرام دون هوادة صاعداً كما يدعي من أتون السجن والفقر والبطالة والانحراف ويعمل وسط الناس بوحشية باسم الدين ويعمل من حيث يدري أو لا يدري على تشويه صورته الناصعة وهو منه براء). لقوله تعالى ﭿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ ﭾ[الزمر: 9].
والحقيقة الثابتة أن الإرهاب ليس له ثقافة ولا دين ولا قومية ولا رسالة وهدفه الواضح تدمير كل ما جاءت به الأديان السماوية السمحة أولاً وتسويد صورتها، وزرع الطائفية، والعنصرية البغيضة، وتمزيق الأمة والأمم، وصناعة عام جديد فاقد لبوصلة السلام والأمن والاستقرار والبناء، كما يرسم لبث الرعب وسط الناس من خلال قطع الرؤوس وحرق الأجساد حية، وتدمير الآثار وإنهاك الجيوش العربية والإسلامية وتعميم الفوضى، وسرقة المصادر الطبيعية التي على رأسها النفط والغاز، والتجارة بالمدن التي يحتلونها ومقايضتها بأخرى مقابل مبالغ مالية مليارية كبيرة، وتشكيل عواصم متعددة في كل دولة عربية وإسلامية يدخلونها ثم التحرك والتجمع من جديد على شكل أحجار الشطرنج بقصد التمويه وبناء القوة، وباختصار أنه الإرهاب الباحث عن مسخ وجه المنطقة لتقديمها من جديد للاستعمار على طبق من ذهب، والإرهاب والتطرف والانحراف باعتباره من أشكال التصحر الثقافي لا يمكن مواجهتهم بالجهود العسكرتارية والأمنية التحالفية فقط وإنما بتحريك مسار الايدولوجيا أيضاً وعلى مسافات زمنية طويلة قادمة وهو الأمر الذي يؤكد عليه جلالة الملك عبدالله الثاني في خطاباته الملكية السامية ولقاءاته الإعلامية الناجحة، وعليه فإن كلاً من وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية والتنمية السياسية والثقافية والتربوية والمركزية، والتعليم العالي والمركز لأعلى للشباب، ومديرية التوجيه المعنوي في قواتنا العربية الأردنية المسلحة الباسلة، وأجهزة العلاقات العامة في مديرية الأمن العام، معنية بالاجتماع من أجل الإعداد لبرنامج توجيه وطني يستهدف شريحة الشباب في بلدنا أولاً البالغة نسبتهم المئوية أكثر من (70%) من أركان مجتمعنا الأردني، وهنا من الممكن استثمار معسكرات الحسين للشباب لجعلها دورية وعلى مدار السنة وتوجيهية وتدريبية وطنية تشمل الجنسين لتستثمر إبداعاتهما، فوطننا الأردني غالي وهو أمانة في أعناق الأجيال كافة عبر الزمن، وهو الآن بيتاً دافئاً وآمناً لكل العرب أيضاً.