قبل عشرين عاما كنا نناقش قضية الأحزاب الأردنية عندما فتح الباب أمام العمل الحزبي رسميا ، وللباحث البسيط أن يقرأ قراءة سريعة في «الأصول والمنابت الحزبية» الأردنية مذاك التاريخ ، فوجدنا أن النجوم الساطعة في سماء العمل السياسي والحزبي ليس للأردن الوطن أي حظ فيها ، بل ولا حظوة ، فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين مسيطرة بقوة بعد دخولها البرلمان الجديد عام 1989 وتحالفها بالتوجه العام مع المزاج الشعبي والأحزاب الأخرى التي تحارب « الإمبريالية» بفناجين القهوة والشاي، بعد إرهاصات الحرب العالمية الثالثة على العراق عام 1991 بقيادة الولايات المتحدة ، والى جانبها كان حزب البعث بشقيه العراقي والسوري مع خجل الأخير من تورط سوريا في المشاركة بالحرب ، فيما كانت المكاتب السياسية والحركات الحزبية القومية والناصرية ثم العلمانية الصغيرة لا تغدو عن كونها صدى لقراءات الموتى من قيادات الدول الكبرى حتى منتصف القرن العشرين من مصر وحتى موسكو والصين لفهم الدولة.
لم نر أو نعرف أو نصدق أن هناك حزبا أو حركة سياسية أردنية خالصة ، لها خصوصيتها الوطنية الأردنية التي يجمع عليها كل أطياف المجتمع الأردني ، فكل ما كان على هذه الأرض من نظريات سياسية وحركات حزبية ليست سوى أغصان طويلة لشجر الآخرين تمددت داخل هذا سور البيت الأردني ، ولو سألت أي منهم كيف تستطيع أن تضع منهجا وطنيا خالصا لما أجابك بجواب شاف ، ليس من الأمس البعيد ولكن حتى اليوم ، إلا لمن يطمح لمصلحته الخاصة ، فالسياسة والإنتماء الحزبي والحركي ليس سوى مطية ليثب صهوة بغيته.
في ظل الجعجعة التاريخية عن الأحزاب والحركات السياسية ومحاضرات الفلاسفة الشطار داخل الأردن منذ خمسينات القرن الماضي أو قبلها بكثير حتى اليوم ، كان من الممكن لأي سائل أو مسؤول أو باحث يهمه إنتاج حركة حزبية وطنية أردنية خالصة ،أن يذهب الى مناطق البادية الأردنية الممتدة من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال ، ثم في البلدات والقرى داخل المحافظات ، سيرى أن كل ما يقال ويتخيل عن دور الأحزاب العربية والعالمية في العاصمة ومراكز المدن الكبرى ، غير موجود هناك ، إلا عند عدد محدود من الأشخاص وتحديدا من المحامين والأطباء الذين درسوا في العراق أو سوريا أو الإتحاد السوفييتي وحلفه ، ومع هذا لم يتم العمل على تأسيس حالة حزبية أردنية لا علاقة لها بأحد غير الأردن.
ورغم أن ما سبق لا يلغي وجود شخصيات كثيرة تعنى بالفكر السياسي الأردني منذ قديم السنين الأردنية ولكنها لم تكن مؤطرة حزبيا ، بل كانت هناك حركات فكرية ، ومن أبناء الأحزاب السالفة الذكر كان هناك الكثير منهم يمثلون فعلا الهم العام الوطني ويسعون لتصويب الأوضاع عبر العقود الطويلة ، ولكن في النهاية ينطبق على الجميع مثال أعشاش الطيور المليئة ببيضها على شجرتك ، فعندما تفقس ويلتئم ريش أجنحتها ستطير في أسرابها بعيدا عنك.
يبدو أن اليوم لا زال هو الأمس، وإن تغيرت الأيام والأحلام و مدارك الرجال ، رغم محاولات التنغير والتجديد لا ندري أن كنا نشعر بالخوف أم بالأمان، إنه لمن المؤسف حينما نرى أن غالبية الأحزاب والحركات السياسية في وطننا غير قادرة على تمثيل مصالحنا الوطنية فعلا ، بل نراهم يمجدون زعماء ومؤسسون لأنظمة وأحزاب وحركات بعيدة جدا عنا ويكفرون بأهلهم وحواضنهم الوطنية ، ثم إن كانت قيادات الأحزاب المنبثقة عن أقدم الحركات السياسية في العالم العربي والتي تطالب بالتغيير والعدالة والمساواة لاتؤمن بتبادل القيادة داخل أحزابهم وحركاتهم ، فهل نلوم الحكومات والأنظمة العربيةعلى ما يجري فيها
لقد كان من الأجدر وفي زمن الرخاء أن تعمد الحكومات الى ترتيب الوضع الحزبي ، وإعادة ضبط المصنع حسب ميكانيكية الهواتف الخليوية ، ليعود الوضع لطبيعته في ساعة صفا لا ساعة هوا.
Royal430@hotmail.com
الراي