"النمرود" .. أم نماريد التاريخ ؟
جهاد المحيسن
08-03-2015 03:32 AM
درسنا مادة "تاريخ الشرق القديم"، على يد الأستاذ حمزة المحاسنة، وكانت مادة صعبة وفي ذات الوقت شيقة، فهي تتحدث عن آثار وتاريخ العراق والشام، وكان دوماً يحذرنا الدكتور حمزة ؛ من أن المادة المصدرية التي نأخذها من تاريخ الشرق القديم، هي حقل بحث واسع للباحثين اليهود في علم الآثار والتاريخ !
هذا الحقل الذي تجد فيه الرواية "التوراتية"، مجالها الحيوي لتزوير وتلفيق التاريخ، بما يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة، وأن الأثر المادي هو الذي يدحض "الأساطير التوراتية" التي تكتب عن المنطقة، ولكن بات الأثر المادي التاريخي، يدمر وبشكل منهجي، وخصوصا في العراق، فبعد تدمير آثار الموصل، جاء الدور لتدمير مدينة النمرود وآثارها الخالدة على يد "داعش"، التي تحقق الحلم الصهيوني بنسف آثار المنطقة لتحقيق الدولة اليهودية "من الفرات إلى النيل".
كما هي عادة السرد في النص "التوراتي"، فإن كل ما ليس يهوديا فهو بالضرورة عدو لله، وعليه فقد صورته التوراة على انه "كان جبار صيد أمام الرب" ( سفر التكوين 10: 9)، ولكن هذا "النمرود" كان أول من أسس مملكة في التاريخ وهي مملكة بابل التي فيما بعد قامت بعملية السبي لليهود مرتين.
والقصص القرآني، في حديثه عن قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، لا يذكر أي اسم "للنمرود"، على الإطلاق وأن الاسم جاء عند المفسرين المسلمين لاحقا، الذين نسجوا من خيالهم، وبناء على ما ورد في التوراة من إشارات متواضعة عن هذه الشخصية.
وهذا يعيدنا لنقطة الصفر، حول كثير من القضايا التي طرحها المفسرون والمحدثون المسلمون، حول صورة التاريخ القديم الذي سبق مجيء الدعوة الإسلامية، والذي تركت "التوراة" وتفاسيرها، أثرها على إعادة صياغة القصص "القرآني" عند المفسرين، بما يخدم النص "التوراتي"، ولذلك تقتضي هذه الصياغات والتفسيرات وبعض الأحاديث النبوية "المدسوسة" مراجعتها وحذفها من الكتب والمصادر الإسلامية القديمة، التي أسس عليها فيما بعد وعي مشوه تشترك فيه الأسطورة "اليهودية"، مع النصوص الإسلامية التي يتم الاعتماد عليها الآن من قبل المسلمين على حساب النص "القرآني" وما صح من الحديث، فالقرآن الكريم أصبح يسمع فقط عندما يموت أحد، ولا يُفسر ولا يستفاد من حركة محتواه للتجديد، مع طبيعة العصر ومتغيراته وحركة التاريخ والمجتمع، طالما أنه صالح لكل زمان ومكان.
ما حدث من تدمير لآثار مدينة النمرود وآثار الموصل ليس مجرد صدفة، بل على العكس فهو يثأر "للرب اليهودي"، من تاريخ الذين عصوا تعاليم الرب كما تراه "اليهودية"، والتي تعني حقيقة أصيلة واحدة، من هو ليس يهودياً فهو عدو مهما كانت ديانته، فوحدة الرب تعني " اليهودية"!
فهل نعي كمسلمين وعرب ذلك التدمير الممنهج وأنه يصب في مصلحة العدو الصهيوني؟
الغد