الأرقام بحد ذاتها لا تكذب ولكنها للأسف أداة طيـّعة في يد من يمارس الكذب؟ وكل شيء يتوقف على أسلوب تقديم الأرقام بالشكل الذي يدفع المتلقي للانحياز إلى وجهة نظر مقدم الأرقام.
مثال صارخ على ذلك ما تقرر مؤخراً في مصر من رفع الضريبة على السجاير بنسبة 50%، فقد جرى تقديم الخبر من خصوم النظام على أنه رفع أسعار السجاير بنسبة 50%، مما يوجه ضربة إلى دخل الأسرة محدودة الدخل التي يعيلها مدمن تدخين.
وهناك فرق شـاسع بين العرضين وإن اتفقا على رقم 50% الذي لا خلاف عليه ، فالمهم هو ما إذا كان السعر الجديد سيرتفع على المستهلك بهذه النسبة أم بأقل كثيراً.
لا أملك أرقاماً محددة عن اقتصاديات السجاير في مصر ، ولكن لنفترض لمجرد التوضيح أن علبة السجاير من المصنع تكلف خمسة جنيهات ، تضاف إليها ضريبة بنسبة 30% مثلاً ، فيصبح سعرها للمستهلك 5ر6 جنيه ، فإذا تقرر الرفع الآن بنسبة 50% فهناك نتيجتان محتملتان ، فإذا كانت الزيادة على سعر السجائر فإن سعر العلبة سيصبح 13 جنيهاً ، أما إذا كانت الزيادة تحسب على الضريبة ، فترتفع من 30% إلى 45% ، فإن سعر العلبة بعد زيادة الضريبة يكون قد ارتفع بمقدار 75 قرشاً ، وليس 5ر6 جنية وما زلنا نتكلم عن رقم 50% ، ولكن السؤال عن استعمال الرقم لخدمة أجندة معينة مع النظام أو ضده.
المسألة لا تتوقف عند الكذب بالأرقام فهناك كذب في التحليل ، فهل المقصود جباية المال لصالح الخزينة أم الحرص علي صحة المواطن ودفعه للإقلاع عن التدخين أو تخفيض استهلاكه؟
هناك أيضاً كذب إعلامي في توظيف المصطلحات ، ففي مصر أيضاً مجموعات مسلحة تعمل على اغتيال الجنود والشرطة، وحرق المؤسسات العامة، ونسف أعمدة الكهرباء، وتعطيل وسائل المواصلات العامة، وشن حرب عصابات في شمال سيناء، فكيف يوصف القائمون بذلك؟
تقول مدرسة إعلامية إنهم إرهابيون، وتصفهم مدرسة أخرى بأنهم من رافضي الانقلاب، لتوحي أنهم مواطنون ديمقراطيون، يفعلون ما يفعلون لتحقيق الديمقراطية!
نعيش كل يوم حرب الإصطلاحات لخدمة مختلف الأجندات ، فنحن نسمع عن المعارضة السورية (المعتدلة) التي تدربها وتسلحها أميركا كمرتزقة لإنقاذ الشعب السوري من (الطاغية) وإعادته إلى أحضان الحملان الوديعة التي تشن على بلدها حرب عصابات. الرأي