خطبة الجمعة بين العلم والسطحية
د. محمد المسفر
06-03-2015 02:08 AM
بعض خطباء الجمعة الذين يعتلون منابرها يعتقدون أنهم محصنون من النقد وأنهم لا ينطقون عن الهوى وأن تناول خطبهم بالنقد يعتبر قدحا في دينهم ومعرفتهم وفقههم، وما خطيب الجمعة إلا من البشر يخطئ ويصيب وليسوا في منزلة عمر بن الخطاب الذي مركزه الديني ومكانته إلى جانب رسول الله لم تمنع أحد المصلين الذي وقف يرد على عمر رضي الله عنه وهو واقف على المنبر.
أتناول اليوم خطباء الجمعة الذين صليت خلفهم وحضرت خطبهم لأكثر من مرة في أكثر من مسجد، والحق إنني أكاد أخرج من المسجد عند سماع مواضيع خطبهم، أضرب مثلا خطيب جمعة في أحد مساجد الدوحة وقف على المنبر وبعد الديباجة المعهودة في كل خطبة جمعة كان موضوع خطبته (جسد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام) وراح يصف رسول الله بأنه رجل مشعر وأنه حلق شعر رأسه وربى شعر الرأس حتى أصبح له جدائل تتدلى على كتفيه وحلق شاربه وهذب لحيته واستشهد بأحاديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تثبت أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رجل مشعر.
كنت أتوقع أن يخلص بنتيجة من خطبته تلك تفيد المصلين والسامعين خارج المسجد عبر مكبرات الصوت لكنه والحق لم يخلص إلى نتيجة في خطبته تلك.
خطبة أخرى، وقف خطيبنا غفر الله لنا وله ذنوبنا وهدانا سبيل الرشاد، استهل خطبته تلك بالمقدمة المحفوظة وتُردد في كل مسجد وفي خطبة كل جمعة أينما كنت. اندفع أمامنا بارك الله فيه يحدثنا في خطبة الجمعة عن كيفية أداء الصلاة ركوعا وسجودا وتكبيرا وتلاوة أي من الذكر الحكيم وكأنّ المصلين ما برحوا في الصف الثاني الابتدائي يعلمهم قواعد الصلاة وكيفية الركوع والسجود.
لقد غاب عن بعض خطباء الجمعة أن المصلين الحاضرين لأداء هذه الفريضة بالغون راشدون يعرفون شروط الصلاة وقواعد الأداء وفروضها وشروطها وكيفية الأداء حتى في حالة السهو وشرود الذهن (..إلخ) كما غاب عنهم أن بين المصلين منهم أكثر منهم علما وتفقها في الدين الإسلامي كما غاب عنهم أن بين المصلين أساتذة جامعات وطلاب علم وقضاة ومحامين وأساتذة مدارس وكثيرا من المشتغلين بالقلم.
(2)
إن بعض خطباء الجمعة يلجأ إلى السطحية في خطبته لأنه لم يقم بواجب البحث في أمهات الكتب ومراجع الفكر الديني علما بأنه يتسلم مرتبا شهريا ومتفرغا لأداء خطبة الجمعة وعليه واجب البحث والتحضير لخطبته لتتناسب وحال الأمة، أعرف أن هناك محاذير من تناول أي موضوع سياسي في خطبة الجمعة وأن هناك تعليمات في بعض الدول بعدم الخوض في السياسة من على المنابر وصاحب القرار الذي أرشد بعدم تناول المواضيع السياسية كان في ذهنه الطائفية والمذهبية والتحريض على أنظمة الحكم وما في حكم تلك المواضيع، ولكنه لا يعني المنع من تناول حال الأمة من فساد وظلم وغبن وهدر كرامة الإنسان وغير ذلك. لقد كتبت في هذا الشأن الكثير في سالف الأيام والأشهر السابقة ولكنني أتساءل هل تناول انتهاكات المسجد الأقصى من غير المسلمين سياسة لا يجوز الحديث عنها؟ هل مأساة اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين وأسبابها محرم الحديث عنها؟ وهل الدعوة إلى تكاتف المسلمين لإغاثة إخوانهم ووعظ الناس بالتبرع لهم بالغالي والنفيس والدعاء لهم بالنصر المبين يعتبر ذلك العمل سياسيا؟
(3)
إن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لم تدخر جهدا في مساعدة خطباء الجمعة في إعداد خطبهم إن كانوا لا يستطيعون البحث في الإعداد، فقد خصصت موقعا لها (بوابة الأوقاف الالكترونية) ووضعت نماذج لخطب الجمعة التي على الخطباء غير المتفقهين في شأن إعداد خطبهم عليهم اتباعها.. أسوق أمثلة من تلك النماذج:
1 ـ خطبة الجمعة عن خطورة النفاق والكذب، وحددت عناصر الموضوع وهي (1) حقيقة النفاق وأنواعه (2) صفات المنافق (3) خطر النفاق على الأمة (4) ضرورة التنشئة على الصدق ومكارم الأخلاق.
ثم وضعت لهذا الموضوع أدلة من القرآن وأدلة أخرى من السنة المحمدية.
2 - موضوع آخر" الأسرة ودورها في الحفاظ على استقرار المجتمع" وحددت الوزارة المعنية عناصر ذلك الموضوع كما يلي:
(1) الأسرة عماد المجتمع (2) عناية الإسلام بالأسرة (3) عوامل النجاح في بناء الأسرة (4) دور الأسرة في تعزيز أمن واستقرار المجتمع وعليه أن يأتي بأدلة تثبت ما يقول من القرآن والسنة.
والحق إنك لو نظرت إلى المواضيع المقترحة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كخطة إرشاد للخطيب فإنها تعبر عن سياسة مطلقة وعلى الخطيب أن يتناولها بعقل مدرك لما سيقول وكيف يوظف أقواله لخدمة الأمة.
آخر القول.. أتوجه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بطلب مخلص وصادق: لا تختاروا خطيب الجمعة جهوري الصوت قليل المعرفة بقواعد الخطبة ورسالة المسجد وهموم الأمة وما آلت إليه وإلا فإنكم ستجدون مساجدكم يوم الجمعة خالية من المصلين إلا من الأعاجم والأميين. الشرق القطرية