عن "معارضي اللسان الطويل"، المطلوب ميثاق أخلاقي للانتقاد!!
د. زيد نوايسة
05-03-2015 01:56 PM
في هذا الزمان لا يمكن لنا أن نتخيل بلدنا أو أي بقعة على هذا الكوكب وفي أربع رياحه - طبعاً باستثناء بلاد العم "كيم جون أونغ" رئيس كوريا الشمالية فلها عالمها وحريتها الخاصة- دونما أن نملك مساحة مريحة من حرية التعبير والرأي السياسي في القضايا الوطنية والمحلية، ولعل غياب هذا الهامش الديمقراطي هو مؤشر غير ايجابي وينذر بأن حالة اليأس والإحباط قد ترسبت في أعماق الناس وهو ما لا يتمناه أي بلد يسير نحو معارج التقدم والبناء والحياة الكريمة، حتى يحجز لنفسه مكانا مناسباً في هذا العالم المتسارع بكل شيء، والحرية في المحصلة هي دليل حيوية وصحة وسلامة المجتمع، لكنها الحرية المسؤولة المنضبطة التي تحترم الدستور والقانون والمرجعيات القيمية والسلوكية سواء كانت دينية أو أعراف وتقاليد اجتماعية.
من الطبيعي أن يعبر الناس عن رأيهم ويتحدثوا في الشأن العام وفي كل المفردات والعناوين ومن البديهي أيضاً أن يكون هناك من يرصد اجتماعيا وثقافياً وأمنياً وهو شيء صحي ومطلوب، لكن الأصل أن لا يخرج هذا النقد والاختلاف عن اللياقة والآداب العامة والتهذيب وأن "ينصب" على نقد ضعف الأداء والبرنامج السياسي وان لا ينزلق للجوانب الشخصية والعائلية والحياة الخاصة لمن نختلف معه أياً كان موقعه وترتيبه في الوظيفة العامة ففي النهاية المسؤول هو شخصية عامة وقابل للتعرض للمسألة سواء من خلال القنوات الدستورية أو من خلال القنوات الاجتماعية والسياسية ولكن عن مدى التزامه بواجبه الوظيفي!
استذكر هنا من مخزون ذاكرتي عن معارضة الزمن الجميل زمن القيم والأخلاق والثوابت وحرية الاختلاف المسؤول، عندما كنت وأنا في مقتبل العمر اسمع مما هو اكبر مني عمرا وتجربة وهو يتحدث عن المعارضين في بلدتنا الصغيرة بشيء من الصوفية والقدسية والاحترام، فمعارضو ذلك الزمن الجميل رغم القسوة وغياب الهامش الديمقراطي والحصار والمعاناة مع المجتمع والحكومات كانوا أكثر نموذجية في احترام الإنسان وحريته الشخصية والثقافية والسلوكية طالما كانت ضمن معايير المجتمع وتقاليده لأنهم يؤمنون بأن "المعارض" السياسي يجب أن يكون طليعة وقدوة وأنموذجا في مجتمعه يقتدي به الآخرون، فالأصل أن يقدم في كل مسلكياته في الحياة كل ما هو جميل ومنافس وجاذب ومعزز للمنظومة الدينية والقيمية والأخلاقية التي يستند إليها المجتمع ويعتبرها مرجعية مقدسة في الحكم على الإنسان.
ما دعاني للكتابة في هذا الأمر هو متابعتي خلال الأيام القليلة الماضية وبعد التعديل الحكومي الأخير على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات أقل ما يقال فيها بأنها غير لائقة "مقززه" و"مقرفه" وليست من شيم الأردنيين ، من بعض أدعياء المعارضة البائسة معارضة اللسان الطويل والأفكار الظلامية والبدائية حول دخول إحدى السيدات الأردنيات الفاضلات ممن حملن حقيبة وزارية مؤخراً، وهم يعلقون على صورة في مناسبة عائلية لها ويعتبرونها مرجعية في الحكم على أدائها وقبل أن تدخل مكتبها!!، هذه السيدة هي أردنية وإنسانه قبل أن تكون وزيرة ولها عائلة وعشيرة ككل الأردنيين والاهم أن لها مشاعر إنسانية تفرح، تحزن وتغضب عندما تتلقى الإساءة من أشخاص لا تعرفهم ولم يتعرضوا للإساءة منها ولم يتعرفوا بعد على قدرتها وأدائها المهني والوظيفي!
ربما من المناسب ونحن نعلم أن هذا الفضاء الافتراضي مفتوح على مصراعيه دون حسيب ولا رقيب لبعض من يحملون أفكاراً داعشية وان لم ينتموا لها أو يؤمنوا بأفكارها، علينا أن نغضب ونستنكر وندعو لصياغة ميثاق أخلاقي للاختلاف السياسي يضمن عدم المساس بحرية السياسي سواء كان في موقع المسؤولية أو موقع المعارضة، ويقيني أن هذه المهمة تتطلب رؤية واضحة من وزارة التنمية السياسية، الأحزاب، القوى السياسية، رجال الدين والقوى الاجتماعية بما فيها من عشائر كريمة ومنظمات مجتمع مدني، ولا بأس من الاستناد إلى التشريعات والنصوص في القانون الأردني واعتقد انه عالج هذا الأمر بروحية عالية وبعدالة مطلقة!!.
ولا مندوحة هنا من التذكير أيضاً أن ثمة فرقاً هائلاً معلوماً للجميع بين حرية التعبير وبين الإسفاف والإساءة وربما في أحيان كثيرة للأسف "الوقاحة" وان كرامات الناس وحقهم في ممارسة حياتهم يجب أن لا تترك لبعض العابثين الذين تقيئهم الفراغ ولفضتهم الفوضى الباحثين عن دور وبأي ثمن حتى لو كان بائساً!