لم تأت هذه الكلمات المعبرة التي خاطب فيها القائد شعبه مجرد كلمات عفوية عاطفية، إنما جاءت على لسان جلالة الملك بعد نظرة عميقة لمسيرة الإنجازات المتراكمة التي حققها الأردنيون على امتداد قرن من الزمن بفضل من الله عز وجل - وبفضل قيادة ملوكنا الهاشميين، خلال تاريخنا المعاصر.
نعم، ارفع رأسك أنت أردني، هذه الكلمة التي رددها جلالة الملك بكل كبرياء وشموخ، كان لها إيقاعها، فأعادتني بالذاكرة إلى عام 2009م، عندما كنت مشاركاً في أحد المؤتمرات العلمية خارج الوطن، حيث كان للمشاركة الأردنية حضورها المميز على امتداد أيام المؤتمر وجلساته.
هذا الحضور المميز أثار إعجاب عدد كبير من المشاركين، ومن ثم تحول هذا الإعجاب إلى حسد من أحد الزملاء العرب المشاركين، حيث كنت أقرأ الإعجاب والحسد في عينيه على الرغم من علاقة الاحترام المتبادل فيما بيننا.
ومن ثم وصل الأمر في ذلك الزميل أن يتحين الفرصة في أحد لقاءات الدردشة ما بين الجلسات الرسمية، حيث كنت وقوفاً مع عدد من المشاركين العرب والأجانب. فقام بتوجيه سؤال سطحي سخيف بطريقة مهينة قصد منها التقليل من شأن الأردن، وهو، كم نسمة أنتم في الأردن؟
وبكل هدوء وبنفس الأسلوب السخيف كان الرد، فأجبته نحن خمس نسمات، ومن ثم انطلقت واسترسلت في الحديث عن الأردن وإنجازاته:
نعم يا أخي الكريم نحن خمس نسمات كما تريد، لكننا بلد الخمسة ملايين وكل فرد منا يساوي ألفاً، وعليك بعقد المقارنة بين النمسا والهند، وبين سويسرا وبنجلادش مثلاً. فالدول لا تقاس بعدد سكانها أو بمساحتها الجغرافية، ولا تقاس بما لديها من فائض مالي في البنوك، إنما تقاس بمقدار ما تقدمه من رعاية في قطاعي التعليم والصحة لمواطنيها.
نعم يا أخي الكريم نحن بلد الثلاثين جامعة، وعاصمتنا عمان مدينة الثلاثين مستشفى، نستقبل فيهما مئات الألوف من المرضى من سائر أرجاء المعمورة، وقواتنا المسلحة برسالتها الإنسانية، ومستشفياتنا الميدانية منتشرة في معظم بؤر الصراع في العالم، تسعف الجرحى وتداوي المرضى.
نعم نحن بلد الخمسة ملايين في ذلك الحين، لكن الخبراء الأردنيين من أطباء ومهندسين وأكاديميين وفنيين، ينتشرون في سائر بقاع المعمورة، بعلمهم وبإبداعاته وبأخلاقهم الطيبة، حتى تكاد لا تجد جامعة في العالم إلا وفيها أكاديمي أردني ينشر العلم والمعرفة، ولا تكاد تجد مستشفى أو كلية طب في العالم إلا وتجد فيه طبيب أو طالب طب أردني.
نعم نحن أردن السبعة ملايين بقيادتنا الهاشمية، ويجب علينا أن نفتخر بانجازاتنا على الصعيد الداخلي، وبحضورنا المميز على المستوى الإقليمي والدولي في سائر المحافل والمؤسسات الدولية.
نعم يا جلالة سيدنا سنبقى دائما مرفوعي الرأس بك ومعك وبالأردنيين، وهاماتنا عالية بإنجازات هذا الوطن الذي لن يتزعزع إيماننا بحب ترابه المعطاء.