انقاذ صحافتنا واجب وطني .. !
حسين الرواشدة
05-03-2015 03:51 AM
سؤال الاعلام، بما له وما عليه، هو سؤال الدولة، أية دولة، ان اجابت عنه بوضوح واجتازت امتحانه، أصبحت مؤهلة للدخول في معركة الاصلاح، بأشكاله، والحداثة، بأنواعها، ومواجهة التطرف والارهاب مهما كانت شبكاته وامتدادته، ومطمئنة - تماما - الى سلامة خطابها وحسن أدائها، وعلاقتها مع مكوناتها ومع خارجها ومحيطها.. أما اذا فشلت فيه، فقدرها أن تراوح مكانها، وتبدع في تقديم مبرراتها، أو تغلق آذانها عن سماع اي انتقادات أو اسئلة محرجة تأتي من هنا وهناك.
والاعلام، اليوم، صناعة ورسالة، تخصص له بعض الدول التي تدرك أهميته وخطره ثلث موازناتها أو اكثر، وتجتهد في رفد حرفيته واستقلاليته، وتحاول - ايضا - ان تستخدمه ان استطاعت، وان توظفه في “معاركها” على اختلافها، ولا يوجد وظيفة للاعلام أهم من وظيفة حماية “بوصلة” الدولة، والحفاظ على عقلها ورعاية هويتها ووجدانها، ومتى انحرف الاعلام أو انسحب أو تباطأ عن النهوض بهذه المهمات، استبد الخوف بالمجتمع، وتغلغل الانحراف داخله، وتأرجحت البوصلة بين اليمين واليسار.
قلت هذا الكلام فيما مضى وأجدني اليوم اكرره على هامش المحنة التي تمر بها صحافتنا الورقية تحديدا، ذلك ان هذه المحنة ليست معزولة أبدا عن سياق “الأزمات” التي تعاني منها الكثير من مؤسساتنا الكبرى، فهي جزء منها وانعكاس لها، أثرت فيها وتأثرت بها، لكن ما حدث لهذه المؤسسات الصحفية يبدو مختلفا من زاويتين: أولاهما داخلية تتمثل بإصرار هذه المؤسسات على “الصمود”سواءً من خلال “التكيف”مع المستجدات السياسية واضطراراتها المعروفة، أو من خلال “تجرد” معظم العاملين فيها من إغراءات المجال الخاص وظروفة الصعبة للانحياز الى قضايا الشأن العام رغم ما تعرضوا له من محاولات للزج بهم في “حقل” الصراعات، والزاوية الأخرى تتعلق بالمحيط الذي اعتقد بعض الفاعلين فيه أن ما قدمته تلك المؤسسات اقل من “الواجب” وبالتالي فقد جرت محاولات لتحميل هذه الصحف (وسائر وسائل الإعلام) مسؤولية ما حصل من انفلات في الخطاب العام أو الممارسات العامة، كما جرت محاولات أخرى لإضعافها وإثقال كاهلها بمزيد من الضرائب والتكاليف، وبدل من أن ترد الحكومات لهذه الصحف التحية بأفضل منها ردت عليها بأدوات أخرى...أقلها الصمت على محنتها وعدم مدّ يد العون لها (كاستثمار وطني) في إطار القانون...لا من خارجه.
اعرف انه من الصعب أن تكتب عن محنة الصحافة وأنت داخلها وتعايشها في كل لحظة، لكن أي خسارة هذه التي يمكن أن تقع لو أحس العاملون في هذه الصحف أنه لامستقبل لهم ولا لأولادهم في هذه “المهنه”، ثم بقيت الدولة بلا “أذرع” إعلامية تدافع عنها وتتبنى سياساتها وتنهض بمسؤوليتها الوطنية في عصر أصبح فيه الإعلام “طرفا” أساسا في معادلة الهدم والبناء؟!
وأي خسارة لو صحا المجتمع الذي بنى هذه الصحف واعتمد عليها في تشكيل”وعيه”ومعرفة ما يدور حوله، وقد غابت أو تعرضت” للإضعاف”والتهميش، لا شك أن صدمة الخسارة ستكون كبيرة، وأن مشهدنا المحلي سيختلف سياسيا واجتماعيا، وسيكون أكثر فقرا أيضا؟!
يعرف “العاملون” في الصحف تفاصيل كثيرة عن المحاولات التي استهدفت “اضعاف” مؤسساتهم، ولكنهم احتملوها وتمسكوا “بشرف” المهنة الذي يمنعهم من “الجهر بالسوء”، إلى أن أصبحت أوضاع هذه المؤسسات المالية والإدارية اسوأ من أن تظل في دائرة “الكتمان” أو أن تعالج بالإجراءات الداخلية المعروفة، عندها أصبحت القضية لا تتعلق”بالدفاع عن الحدود”بما تعنية هذه الحدود من مطالبات معاشية او تدريبية او اختلافات في وجهات النظر، بل بالدفاع عن الوجود، لا مجرد الوجود العياني فقط، بل الوجود الوطني والرسالي والمهني والأخلاقي ايضا.
قلت -واكرر - إنني أكتب من”داخل”المحنة التي تمرّ بها الصحافة، والمحنة أدق وصفا من (الأزمة)، لذلك تجاوزت عن كثير من التفاصيل، خذ مثلا: “السوق”التنافسي في المجال الإعلامي في ظل ثورة الانترنت والاتصالات، التكاليف الباهظة التي تدفعها الصحف على الورق والضرائب، و “رخص” الإعلانات الحكومية...وغيرها، الآن السؤال الآهم الذي يجب أن نجيب عنه هو: هل تريد الدولة أن تحمي هذه المؤسسات لكي تستمر وتؤدي دورها الوطني أو أنها ستترك وحدها تصارع التحديات وتواجه المصاعب دون أن يتدخل أحد لمساعدتها على”الصمود”؟
ليس لدي وصفة محددة للانقاذ، لكنني أعتقد أن أمامنا- سواء الإعلاميون او المسؤولون- فرصة للحوار والتفاهم على مخرج حقيقي لانقاذ صحافة “الدولة” قبل ان نقرأ نعيها ونترحم عليها، ولدينا فرصة لبناء قواعد جديدة تعيد ترسيم العلاقة بين كافة الاطراف على أساس احترام الأدوار والمسؤوليات والالتزام بالمصلحة العامة وتمكين الإعلام من ممارسة واجبه بحرية، واستعادة عافيته التي افتقدها لأسباب خارجه عن إرادته، وعكس ذلك فإن الخسارة ستتوزع على الجميع..واعتقد أن هذا ما لا يريده أحد. الدستور