قلت لها: أنت جميلة جدّاً، شو اسمك؟. ارتبكت الصغيرة وأجابت بشفاه مترددة: زهرة. ولماذا أنت هنا يازهرة ؟ بساعد أبوي. قدّيش عمرك يازهرة؟: تسعة. بتروحي عالمدرسة؟: لا. ثم أدارت ظهرها بسرعة وجرت إلى جانب أبيها. أشاهد زهرة مع غروب الشمس تجر، بكفيها النحيلين، عربة خردة ثقيلة برفقة والدها وشعرها البنيّ يأخذ منحى عشوائيّاً.هذا مشهد قاسٍ لا يمكن احتماله.
نقرأ أن وزارة العمل تحذّر من تشغيل الأطفال دون السن القانونية، وتعلن عن تكثيف المسوحات الميدانية لمواجهة هذه المشكلة. يختلف مفهوم المشكلة عن الإشكالية، فالمشكلة هي التي لها حل أما الإشكالية فأكثر تعقيداً وتشابكاً من ذلك بكثير. عمالة الأطفال إشكالية، خاصة أمام معطيات تشير إلى عدد يقارب الثمانية وثلاثين ألف حالة عمالة أطفال في الأردن، وهذا رقم يُعتقد أنه مرشح للازدياد وليس للنقصان. الأطفال العاملون هم من الذكور والإناث الذين تتراوح أعمارهم بين خمس إلى سبع عشرة سنة. يحرمون من طفولتهم وطموحاتهم وكرامتهم، ويعرضهم العمل لإيذاء محتمل بكل أنواعه، ويتضاعف هذا الايذاء في حال الطفلات الصغيرات.
الظروف السيئة أو فقدان المعيل أو البطالة أو ارتفاع عدد أفراد الأسرة تجبر البعض على ارسال أبنائهم إلى المجهول وغالباً مايتعرضون هناك للاستغلال. أما بعض الأطفال فكرهوا المدرسة أو فشلوا في التحصيل العلمي وكانت لديهم الرغبة، من باب العاديّة، في التوجه للعمل كتحصيل حاصل لعادات ثقافية لبعض ارباب الأسر، رغم أن كثيراً من هذه الأعمال خطرة ومنها أنشطة غير مشروعة ومنها ما يعتبر اتجاراً بالبشر. بعض الأطفال تخطى أزمته بعد أن كبر وشكل نموذجا ايجابيا في تحدي ظروفه للأفضل، وغيرهم كثيرون للآن يعانون حرمانهم من طفولتهم بدنيا ومعنوياً وأكاديميّاً.
التوعية والنصح وتوجيه الانذارات والاجراءات العقابية بحق مشغلي الأطفال عوامل مساعدة للحد من الظاهرة، لكن الأرقام المرتفعة مفزعة، ولا يحل عمالة الأطفال سوى توجّه حقيقي وفعلي للتخفيف من المعاناة الاقتصادية للأسر. الرأي