بالتأكيد أن هذه الخطوة ستكون إنقاذية وفي غاية الأهمية حتى وإن هي جاءت متأخرة كثيراً والمقصود هو تشكيل قوة عربية فعلية ،وليس على الورق فقط، للدفاع عن الأمن العربي الذي غدا مستباحاً ومهدداً ليس من قبل «داعش» والإرهاب فقط وإنما من قبل إيران أيضاً التي تمادت كثيراً والتي آخر ما فعلته لاستكمال سيطرتها على اليمن هو تسيير أربع عشرة رحلة أسبوعية بين صنعاء وطهران وهذا ومهما حسنت النوايا لا يمكن إلَّا أنْ يُعتبر جسراً جويَّاً عسكرياً لنقل الأفراد ونقل الأسلحة.
لا شك في أن «داعش» يعتبر خطراً فعلياً يهدد الأمن القومي العربي في المنطقة العربية كلها ولا يقتصر على العراق وسوريا ولبنان وليبيا ومصر لكن وفي كل الأحوال فإن هذا التنظيم ومهما فعل ومهما حقق من «انتصارات» وإنجازات ومهما قتل ومارس من أساليب وحشية فإنه سينتهي إلى ظاهرة مؤقتة عابرة مثلها مثل ظاهرة «القرامطة» التي انتهت بعد نحو عشرين عاماً ومثل ظاهرة «الحشاشين» وظاهرة الخوارج.
إن هذا ليس تقليلاً من خطر «داعش» وخطر «القاعدة» وباقي التنظيمات الإرهابية التي تمادت في استهداف المسلمين أكثر كثيراً من استهداف غيرهم ولكن يبقى أن الخطر «الإستراتيجي» الحقيقي الذي يهدد الوضع العربي كله هو هذا التمدد العسكري الإيراني الذي يجري بغطاء مذهبي معلنٍ ،حتى من قبل الولي الفقيه علي خامنئي نفسه، عنوانه صيحات حسن نصر الله الطائفية التي تنفث حقداً والتي تستحضر ،ونحن في الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين، أحداثاً «مفبركة» لجأ إلى الاستنجاد بها «الشعوبيون» عندما استهدفوا العرب في فترة مبكرة من التاريخ.
وهنا فإنَّ ما هو مفترض ،بل ما هو مؤكد، أن العرب ،الذين شعروا بخطر التحديات التي تواجه الأمة العربية من محيطها إلى خليجها والذين بادروا إلى القيام بخطوة إنقاذية للدفاع عن الأمن القومي كله وليس عن دولة واحدة أو عدة دول فقط، يعرفون أن الإرهاب يهدد هذه الأمة على المدى المنظور ويجب التصدي له قبل استفحاله واستشرائه في هذه المنطقة أما التهديد الإيراني فإنه عابر للمراحل وأنه يستند إلى قاعدة تمزيق منطقتنا إلى سنة وشيعة.
إننا عندما نتتبع مسار التمدد الإيراني في وطننا العربي فإننا نجد إنه اتخذ ،ومنذ البدايات، طابع التمزيق والتقسيم وعلى أساس مذهبي وإلَّا ما معنى كل هذا الذي يجري في العراق وما معنى ما يقوم به حزب الله اللبناني ،الذي أصبح له فروعاً في سوريا بالإضافة إلى فروعه العراقية والذي جرى استنساخ مثيلاً له في اليمن ولكن باسم «الحوثيين» ،ما معنى أن تتحول «الجمهورية العربية السورية» إلى معسكر كبير للحرس الثوري الإيراني، فيلق القدس تحديداً، ولأكثر من خمسة وثلاثين تنظيماً مذهبياً جرى استيرادها حتى من الصين وحتى من الهند وأفغانستان كلها وبدون استثناء تحمل أسماءً ورموزاً طائفية ومذهبية.
ولهذا فإن المفترض إن «المحور» العربي الذي يجري الحديث عنه وإن القوة العربية المنوي تشكيلها لا تقتصر مهمتها على مواجهة «داعش» والإرهاب بل تتعدى هذا إلى مواجهة التمدد الإيراني في منطقتنا الذي لم يعد خافياً إلَّا على إمَّا متواطئ أو على من يتحاشى الاعتراف بالحقائق...كلنا لا نزال نعتبر أن الخطر «الإستراتيجي» الذي يهدد أمتنا هو إسرائيل وحقيقة أننا ما زلنا نعتبر أن هذا الخطر يشكل خطراً وجودياً لكن ومع أنه لا يجوز وغير ممكن التغاضي عن التحدي الإسرائيلي على المدى القريب و البعيد إلَّا أنه من غير الممكن أيضاً لا التغاضي ولا السكوت عن كل هذا الذي تقوم به إيران !!.(الرأي)