وثيقة السلط .. مدخل للقراءة
سامح المحاريق
18-04-2008 03:00 AM
في الأسبوع الفائت انعقد اجتماع حافل لأهالي مدينة السلط وصفته عمون باجتماع الفعاليات الشعبية والمفهوم عرفا في الأردن أنه اجتماع عشائري بالدرجة الأولى يعني بحشد وجوه العشائر ناحية تسجيل موقف يتعلق بالعادات الاجتماعية في الأردن مثل الزواج والوفاة والعديد من المسائل الأخرى التي باتت تمثل عبئا على كاهل المجتمع الأردني في أوضاع اقتصادية صعبة.
المبادرة السلطية تستحق القراءة من مدخلين الأول يتعلق بالوضع الاقتصادي وصلاحية ممارسة الترف الاستهلاكي الذي تكرس في الثمانينيات من القرن الماضي حيث أصبحت المظاهر الاجتماعية تأتي على جانب كبير من القدرة الشرائية في الأردن، وتحول العجلة الاقتصادية لدعم قطاعات استهلاكية على حساب قطاعات إنتاجية، وتمت عملية تسويق هذا السلوك من خلال ربطه بالعادات والتقاليد وظهر ما يمكن تسميته بالثقافة المنسفية في الحياة الأردنية، فتحول المنسف إلى رمز وطني وجدار تختفي وراءه الهوية الوطنية، وأصبحت جدلية المنسف نقطة خلاف جوهرية بين مختلف فئات الوطن و جهاته، ولكن الوضع تغير ولم يستطع الصمود ليس لأن العادات تغيرت ولكن لأنه كان وضعا خاطئا من الأساس.
المدخل الثاني لقراءة الوثيقة السلطية يندرج تحت التصور الجديد لدور العشائرية كقوة تغيير اجتماعي في الحياة الأردنية، فمع التذبذب وعدم الوضوح لدى أطراف كثيرة فاعلة في المجتمع المدني وقوى التغيير المفترضة تعود العشائرية في الأردن لتثبت براءتها من الاتهامات التقليدية التي اعتادت قوى المجتمع الأخرى أن تلقيها على شماعة العشيرة فتقدم موقفا تقدميا ملموسا، ينقصه فقط تحديد الآليات المناسبة لتطبيقه وتحويله إلى واقع وممارسة، فما أقرته العشائر وتبنته في مرحلة تاريخية لا يصلح بالتأكيد لمرحلة تاريخية جديدة، وتبقى مسألة المتغيرات مفتوحة للفعاليات الشعبية الصادقة أما الثوابت فهي مرتبطة بالمقدسات الدينية التي تضع الأردن في قلب هذا الوطن العربي والعالم الإسلامي.
السلط كانت عاصمة الأردن قبل عمان ولأسباب طبوغرافية في الأساس وربما سياسية واجتماعية انتقلت العاصمة إلى عمان التي كانت قرية متواضعة، واليوم عمان مدينة كبيرة تموج بالتحولات الكونية وتدفع سكانها للتشبث بمجموعة من القيم المتوارثة في مواجهة شروط الحياة المدنية الحديثة، بينما تمثل مدن أخرى الوعاء الشرعي للقيم الاجتماعية الأردنية لذلك تأتي قيادتها لإحداث التغيير أكثر مرونة ومصداقية من العاصمة، هذا موضوع كبير ينظر له البعض من برج عاجي ولكنه يستحق أن يدرس في إطار علمي من قبل مختصين برصد مظاهر تطور الحياة الأردنية الدكتور سالم ساري والدكتور موسى اشتيوي والدكتور هاني العمد والأستاذ حسين أبو رمان وغيرهم ممن حاولوا قراءة المجتمع الأردني بصورة علمية وممن موضعوا الزمان والمكان في إحداثيات التحولات الاجتماعية.