في موروثنا الشعبي أن عجوزاً فرحت بانقضاء شباط الخبّاط، الذي كان شديدا عليها ببرده وثلجه وجليده، وقالت: راح شباط وحطينا بعينه مخباط (المخباط خشبة غليظة كانت تستخدم لدق الحبوب، أو لغسل الملابس)؛ فغضب شهرنا الجميل شباط، وأخذ يستغيث بآذار: آذار يا ابن عمي، ثلاثة أيام منك، وأربعة مني، خلي العجوز توقد مغزلها والمكحار (خشبة رقيقة تستخدم في أفران الطابون لتحريك الرماد وإثارة الجمرات).
هذه الأيام السبعة المتجمعة من شباط وآذار، تسمّى المستقرضات، وكثيراً ما تكون باردةً جداً، ومتخمة بالمطر والثلج، مما يضطر العجوز التي أُسقط في يدها، وندمت على فرحها المتعجل بانقضاء البرد ورحيل شباط، أن تشعل أعزَّ ما تملكه، وهو مغزلها، ومحراك طابونها. وربما أسطورة هذه الأيام السبعة، أعني المستقرضات، تسربت إلينا من التقويم القبطي الذي التفت إليها وحددها، وكانت تُدعى بالمستوفيات، أي التي تستوفي حق الشتاء كاملاً غير منقوص.
أهلا آذار يا شمس وأمطار. يا هذا الشهر الحاشد بأحلام ربيع يكتنز دحنوناً وفراشات وأقحوان وبيلسان. صباح الخير يا أيها الحب المخبأ برجفة عطر خجلى، لحبيب سيطلع مثل نهار دافئ عما قريب. صباح الخير يا آذار، فقد كنت يوم أمس أرواد ثلة غيمات بعيدات غائرات في صحن السماء، علني أملأ قبضة من قطن ناصع البياض أحشو به وسادة رأسي. يااااااه بي شوق يا صديقي لحلم ثلجي آخر.
ستظل يا آذار سيد الأشهر، ورأس الدنيا، فيك من الشتاء حميمية، وفيك كمون بحضن الدفء اللذيذ المُشرب بكسرة النعاس!. وفيك من الربيع نوّار وأزهار، وبعض طيور عجولة بكرت في غزلها. وفيك من الصيف شمس قد تلذع عين العصفور!، ومن الخريف أشجار عارية تحمحمت أكثر من مرة بليفة المطر.
آذار أنت (مارس) في التقويم الروماني، وأنت سيد الحرب في موروثهم، وكان يمثلك كوكب المريخ، صاحب اللون الدموي الأحمر. ولكني أستغرب كيف ظلم هذا الآذار الرقيق الأنيق، وكيف ألصقت به علاقة الدموي الحربي الفاجع؟!. آذار أوان الحب الذي سيهزم كل حرب.(الدستور)