تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ مطلع العام الحالي حراكا سياسيا غير مسبوق منذ أن وقع اتفاق مكة بين حركتي "فتح" و "حماس" برعاية المملكة العربية السعودية.
وما أن لاحت في الأفق عبارات الترحيب بالاتفاق استحوذت القضية الفلسطينية على مضمون خطاب صناع القرار السياسي بدءا من واشنطن حيث انعقد مؤتمر لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية (إيباك). وقبل ذلك كان خطاب الملك عبد الله الثاني أمام الكونجرس الأمريكي الذي أثار اعتداله حفيظة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.اللافت للنظر في خطاب ديك شيني، نائب الرئيس الأمريكي انتقاله إلى مربع آخر في سياق استراتيجية السياسة الأمريكية حيث عبر عن مخاوفه من احتراب سني - شيعي إذا ما انسحب جيش الاحتلال من العراق.
عام 1999 كان للمسؤول الأمريكي ذاته خطابا من على نفس المنصة حين أوضح استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة ما أسماه بالمخاطر التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي وأبرز تلك المزاعم أسلحة الدمار الشامل في العراق وتعاظم الأصولية الإسلامية وعلى أمريكا الاستعداد لمواجهة تلك المخاطر.
لكن القارئ لمغامرات الولايات المتحدة وذرائعها لخوض تلك الحملات تدل على عدم مصداقيتها بدءاً من استخدام جماعة طالبان وغيرها في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق ثم جر الرئيس الراحل صدام حسين إلى مواجهة مع إيران دامت ثمانية سنوات.
ومنذ تلك الحقبة ، لم تركن تفاعلات نظرية المؤامرة التي تطورت لمفهوم أشد خطورة حين وضع صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة أصول النظرية الوقائية التي أضحى بها صديق الأمس عدو اليوم فكانت كارثة العراق وأفغانستان ثم إعادة احتلال المواقع التي أخلاها جيش الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية.
وفي "إيباك" أيضا، حاولت ليفني ، وزيرة خارجية إسرائيل تغليف رفضها للمبادرة العربية بدبلوماسية خبيثة.
فقد أعلنت تل أبيب أن مبادرة السلام العربية تضمنت عناصر إيجابية لكنها طالبت بإلغاء بعضا من عناصرها وكانت ليفني تشير بذلك إلى مطالبة إسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية التي يفترض أن تقوم، أو توطينهم في الدول العربية التي يقيمون فيها.
واعترضت ليفني على بندين في المبادرة التي قدمتها الرياض واعتمدتها القمة العربية في بيروت عام 2002، ونصت على تطبيع العلاقات مقابل انسحاب تل أبيب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
تضارب المواقف هذه ينم عن رفض إسرائيل للمبادرة العربية وليس القبول بها لكنها تبتغي ممارسة ضغط إضافي على الفلسطينيين خصوصا والعربي عموما لإحراز تنازل إضافي عن الحق العربي في فلسطين ونشر ثقافة التطبيع مع الدول العربية قبل إرساء توقيع اتفاق سلام.
التحرك السياسي الإسرائيلي لمواجهة الاعتدال العربي جاء هذه المرة من أمام "إيباك" وتحديدا من واشنطن ويبدو أنه يستهدف التأثير على قرارات القمة العربية المقرر عقدها في الرياض أواخر الشهر الحالي، يهدف إلى إيصال رسالة للملوك والرؤساء العرب مفادها أن لا سلام قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ولما لهذا الحراك الدولي من أهمية، تتجه الأنظار إلى العاصمة الأردنية عمان حيث يعقد وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية اجتماعا يستبق عقد القمة العربية ويتوقع المراقبون أن يصدر عن المؤتمر ردا واضحا حول تضارب التصريحات السياسية الإسرائيلية بشأن مبادرة السلام العربية ورسم معالم حلول تضع حدا لكارثة العراق وللخلاف الداخلي اللبناني.
إن المطلوب في هذه المعركة السياسية بعد أن أكل الدهر وشرب على ما كان يسمى جبهة الرفض وحرب الاستنزاف وغيرها من المسميات، أن لا تركن الدول العربية إلى موقع المدافع وأن لا نغفل استراتيجية الولايات المتحدة منذ أواخر القرن الماضي التي تمهد السبيل لنجاح إسرائيلي في معركة الاستنزاف السياسي.
Jawdat_manna@yahoo.co.uk