في الزرقاء: الملك ميداني والرسميون بكامل أناقتهم
د.مهند مبيضين
17-04-2008 03:00 AM
قد ينجح أي مسؤول في زيارة منتسبي مؤسسته، ولكن حين يتعلق الأمر بزيارة ملكية لمدينة تعد الأكبر والأكثر كثافة في حجم التعددية والفاعل الاجتماعي، فبالتأكيد لن يذهب المقال للحديث عن الملك وأسلوبه الذي غدا فريدا ومؤسسيا، بقدر ما يجب أن يذهب للافت في الزيارة وصوت الناس.
بعد الزيارة بث التلفزيون الأردني تقريرا مساء يوم الاثنين الماضي، ظهرت به طفلة من عائلة معاذ الحنبلي قالت أن حلمها "الذهاب للدراسة في مدرسة جمعية المركز الإسلامي.. وفي مدرسة المنصور الأساسية للبنين المستأجرة منذ العام 1954 والتي هي اليوم بناء قديم غير مناسب لمدرسة تضم 7 غرف صفية ويبلغ عدد طلبتها 238 طالباً، قال احد الطلبة من عائلة العلاونة انه لا يحب الذهاب للمدرسة وأن الصف لا تدخله الشمس ولا توجد ساحة للعب..الخ".
توالى البوح الجماهيري من الناس. وجدوا في الزيارة فرصة للتعبير عن همومهم، رحبوا بمبادرة "سكن كريم لعيش كريم" واعتبر احد المواطنين أن زمن دفع الأجرة ولى.
إذن مرة أخرى الزرقاء، التي زارها الملك غير مرة، ولا زالت بعض التحديات ثابتة وربما حركة التغيير فيها بطيئة، المستشفيات مكتظة والمدارس في حالة اقرب للانهيار، وشكوى الناس من التنظيم ومداخل المدينة وشوارعها والتلوث، تظل العنوان الأبرز في معادلة الحياة اليومية.
هنا ينبغي جيدا قراءة رغبة الطفلة التي ترى أن الذهاب لمدرسة المركز الإسلامي هو الحلم بعينه، والذي يبرره حديث الطلبة في مدرسة المنصورة، وما خفي ربما اعظم، فما يحدث هو في غاية الخطورة والمشهد امام الإعلام كالتالي: مدارس قيل اننا خلال عشر سنوات انجزنا فيها الكثير من الحوسبة والأتمتة وقيل اننا عدلنا المناهج لتواكب الزمن الجديد، لكن على أرض الواقع كل شيء معطل، هذا ما يحدث في مدارس قرى الكرك والمفرق وجرش والزرقاء. هناك ينام الناس على أمل مجيء الملك إليهم ليغير ما في الحال.
ذلك ما يحدث فعلا فقد أثارت زيارة الملك للزرقاء شجون وهموم ومشاعر الناس، والدليل على ذلك انني حين كنت اقرأ تعليقات القراء على خبر الزيارة في موقع "الغد" هناك مواطنة من الكرك تناشد الملك زيارة المدينة لاصلاح الاحوال التي انهارت، بشكل كبير.
في كل مرة يبدو الملك قريبا من الميدان والناس، وفي كل زيارة من القويرة جنوبا إلى المفرق في الشمال الشرقي مرورا بالغور الجنوبي، يظهر الملك أكثر قربا من المواطن فيما يزداد الرسميون وممثلو الحكومة اغترابا عن مواطنيهم، يلبس الملك لباس ميدان وهم في كامل اناقتهم!
يدون الملك الحاجات على ورقة صغيرة وهم يصرون على أن كل شيء سيتم حله باسرع وقت، وفي النهاية يمضي الوقت وتزداد المأساة ما يستدعي زيارة ثانية وربما ثالثة للملك، والزرقاء خير شاهد، وفي غير مكان من الوطن تتكرر المسألة، المسؤولون في غرف مكيفة يصرون على أن كل شيء تمام وينفذ حسب التعليمات، في حين أن الواقع مخالف، لقد اوجدوا خطابا خاصا بهم عنوانه التجاهل وديكوره بذلة مكوية باحتراف. وهذا ما ساعد في عزل المؤسسات عن مواطنها.
المشهد سيتكرر، ففي اليوم الذي ظهرت به اخبار زيارة الملك للزرقاء ومعاينة مدارسها وحال الناس، نشرت الغد تقريرا عن مدارس في بلدة عين البيضا للزميل فيصل القطامين، يقول التقرير: يتكدس طلبة في مدرسة اساسية في مطبخها الذي تتسرب من سقفه مياه عادمة بعد أن اضطرت إدارتها لاستخدامه كغرفة صفية بسبب قلة الصفوف وحال هؤلاء الطلبة كحال مدارس عين البيضاء التي حرمت من إقامة مدارس جيدة منذ خمسة عشر عاما ونسبة المدارس المستأجرة 45%...الخ".
زرت الزرقاء مساء الثلاثاء، قابلت مواطنين فرحين بالمستقبل القادم، مدينة خادم الحرمين ومبادرة سكن كريم لعيش كريم، وفي ظن الجميع أن المشاكل ستنتهي، واحد من المواطنين وقريبا من محل شيخ العطارين في شارع الملك عبدالله قال: "نتمنى أن لا تصبح المدينة القديمة هامشا جديدا، في حال بدأت المدينة الجديدة"، بمعنى انه يطالب بإعادة الاعتبار للمدينة القديمة وتحويل أسواقها وبخاصة شارع السعادة إلى أسواق راجلة ومغطاة وهذا ممكن.
في مكان آخر من شارع السعادة يتفق الناس على أن ما سيحدث سيوفر فرصا جديدة، لكنهم يقولون إن الأمر بحاجة لتراكم الخبرات والإفادة من الماضي، مثلا بين شارع الملك عبدالله والسعادة تقاطع في الشوارع التي يبدو انها بنيت في فترة مبكرة بأسلوب منظم، لكن قطار الاهتمام والتطور فاتها، ولكن يمكن اعادة الاعتبار للأسواق ويمكن أن تكون تلك الاسواق لو اعتني بها، أفضل من مشروع العبدلي في عمان.
أخيرا، تحتاج الزرقاء إلى عناية اكبر، هناك نجاح يجب أن يطور ويستثمر، مثلا وجدت الناس يشكرون ويثمنون جهود مدير الأمن العام في الزرقاء لتحقيقه درجة عالية من الضبط الاجتماعي، وفي ذات الوقت يأمل السكان بنهايات سريعة لفوضى مداخل المدينة.
تبقى الزرقاء مدينة التعدد، مدينة روائية من طراز رفيع، لا فضل لأحد فيها على الآخر، ولا منة لقوي على ضعيف، الكل يعمل ويحاول أن يحسن حياته، وهنا يمكن أن تكتسب التنمية فيها بعدا جديدا، ويمكن في مجتمعات من هذا النوع أن تنجح المبادرات الجماعية والصادرة من الشركات ذات المسؤولية الاجتماعية بشكل لافت غير مثقلة بأعباء المجتمع التقليدية.
وقبل أن نختم نذكر بحلم الطفلة التي تأمل بالوصول لمدرسة جمعية المركز الإسلامي ولنا أن نسأل عن الأسباب ونتائج فقدان الأمل والثقة بمدارس الحكومة والنهايات القصوى التي جعلت مدارس الإسلاميين حلما للأطفال في الأطراف.
(الغد).
sameeh.almaitah@alghad.jo