انتهت في الخامس عشر من الشهر الجاري ، المهلة الممنوحة للاحزاب الاردنية ، لتصويب اوضاعها وفق القانون الجديد ، والذي ينص اصعب بند فيه ، كما اشتكت كثير من الاحزاب ، على ان يتضاعف عدد المؤسسين الى خمسمئة عضو ، بدلا من خمسين ، وان يكون نصف هذا العدد من خمس محافظات بالتساوي ، أي ان تغطي بنشاطها ما امكن من ارض الاردن ، حتى لا تصبح احزاب حارات او مناطق ، وقد يكون من الافضل لو اشترط القانون تغطية كل المحافظات ، ولو بعدد اقل من خمسين للمحافظة الواحدة ، حتى يكون الحزب حزبا لكل الوطن ، ويتواجد في كل ارجائه .
لقد تذمرت الاحزاب من شرط توزع اعضائها على خمس محافظات فقط ، وهي نفسها التي ملأت الفضاء ضجيجا ، بعد تجزئة الدوائر الانتخابية البرلمانية في الاردن ، في اخر تعديل على قانون الانتخابات ، وكان سبب تذمرها ، ان هذا التقسيم يفرز نواب عشائر وحارات ، اما اشتراط وجود اعضاء للحزب ، وبعدد محدود جدا ، في خمس محافظات من المحافظات الاثني عشر ، فهو شرط تعجيزي ، فلماذا لا يكون الغاء هذا الشرط سببا لانشاء احزاب حارات وعشائر ؟ فعدد خمسمئة من الاعضاء ، يمكن ان يتوفر بكل سهولة في احد الاحياء ، او لدى عشيرة صغيرة ، فأي ازدواجية هذه التي تمارس في الاردن ؟
لقد كان هناك احزاب لم تستطع تأمين هذه الشروط ، فسارعت الى حل نفسها ، وهذه فضيلة تقدر لاصحابها ، لانهم ادركوا حجم قدراتهم ، وهناك احزاب حققت ذلك ، لكن المعيب حقا ، هو ان تلجأ احزاب اخرى ، الى وسائل لا تنم عن انتماء وطني حقيقي ، ولا عن ادراك لحقيقة الدور الوطني للاحزاب ، والتي تفرض عليها صدق التعامل مع كل اركان الوطن من شعب وحكومة ، والصدق مع انفسهم ومنتسبيهم ايضا ، فهي التي يفترض فيها ، ان تكون الأمينة على مصالح الشعب والوطن .
لقد سمعنا عن احزاب حشدت اسماءا فقط كي تحصل على الترخيص ، ولم تحشد حزبيين ينتظمون فعليا في احزابهم ، فانطلق موفدو الاحزاب في كل الاتجاهات ، يستعطفون ويناشدون ويرغبون اناسا ، ليس لديهم أي معلومة عن معنى كلمة حزب ، ونحن في الاردن شعب عاطفي ، نتميز بالشهامة والنخوة واغاثة الملهوف ، فيتجاوب المواطنون مع نداءات الاستغاثة ، فيسارعون الى تسليم هوياتهم ، واصدار شهادات " لا حكم عليه " كاهم شروط الانتساب ، فيتم انقاذ الحزب من الحل ، ويحصل على الترخيص المطلوب ، وبعد ذلك لا يهم ما يحدث ، حيث يبقى الكثير من هولاء المنتسبين ، مجرد اسماء في قوائم الحزب لدى وزارة الداخلية ، ويبقى القائمون على الحزب في طليعة الحدث ، يقيمون في المكاتب الفارهة ، مع الكمبيوتر والانترنت والفاكس ، يطلقون التصريحات الصحفية النارية تعقيبا على أي حدث ، ويهددون بانزال "جماهيرهم" الى الشوارع ، اذا اغضبتهم الحكومة ، والويل للحكومة عند كل انتخابات بلدية او نيابية ، فتهم التزوير لهذه الانتخابات جاهزة ، اما تزويرهم فهو من صلب المهام الوطنية .
لقد لجأت احزاب لمثل هذه الطريقة ، لا بل سمعنا عن شراء المنتسبين بالمال ، وهذا من ممارسات الفساد ، التي طالما رفعت الاحزاب يافطة محاربتها ، ان صح هذا الذي جرى ، فبئس الاحزاب تلك ، التي تدعي تنظيم الجماهير وتوعيتهم وحشد طاقاتهم لتحقيق اهداف الحزب ، التي يجب ان تكون اهدافا وطنية ، فاي قدوة للشعب ، من ممارسة هولاء القائمين على الاحزاب ، ولماذا لم يشمل قانون الاحزاب ، شروطا تكفل العضوية الحقيقية للمنتسبين لها ، يمارسون فيها عضويتهم الكاملة ، من الاجتماعات ودفع الاشتراكات ، وممارسة الديمقراطية بانتخاب القيادات على مختلف المستويات ، ولماذا لا تتابع دائرة مكافحة الفساد ، انشطة الفساد في الاحزاب ؟
الاحزاب التي مارست هذا التزوير ، كسبت الترخيص ، لكنها خسرت ثقة منتسبيها وثقة الشعب ، انها ليست احزابا وطنية ، لا بل انه لا يجوز تسميتها احزابا ، انها شلل استغلت ثغرات في قانون الاحزاب ، نتمنى معالجتها في اقرب وقت ، اذا اردنا لشعبنا تنمية سياسية حقيقية .
m_nasrawin@yahoo.com